عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

 لبنان اليوم -

 عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

منذ سنوات قليلة، وخصوصاً بعد «طوفان الأقصى»، راح يظهر تعبير جديد هو «الممانعة المضادّة»، أو «الأنتي ممانعة»، والذي يقصد قائلوه أنّ الطرفين النقيضين يتحكّم بهما منطق واحد في التفكير والعمل. أمّا اصحاب القول فيقترحون ضمناً أنّهم هم الذين يمثّلون التركيب الذي يضعهم «فوق» الموقفين المتعارضين، أو أنّهم يمارسون لصق الموقفين وتلفيقهما ثمّ التموضع في وسطٍ «بينـ»ـهما.

وأغلب الظنّ أنّ الحجّة هذه سهلة دائماً سهولة «لا هذا ولا ذاك». إلاّ أنّ ظاهرها الحِكَميّ ليس فعليّاً سوى الوجه الآخر لانسداد طريقها إلى السياسة، تماماً كما حين يُطلب الرأي من شيخٍ تُنسب إليه الحكمة، ثمّ يُطلب من آخرين، فاعلين ونشِطين، تدبّر هذا الرأي الحكيم وتحويله إلى واقع ووقائع.

أسوأ من ذلك أنّ نظريّة «الممانعة والممانعة المضادّة» تهب الممانعة موقع الأصل والتأسيس، أو تجعلها الأطروحة الأولى، فيما تمنّ على «الممانعة المضادّة» بوظيفة الردّ أو الأطروحة الثانية النقيض.

والحقّ أنّ تصنيفاً كهذا ينهار كلّيّاً حين نعتبر أنّ وجود دول وأوطان هو الأصل والتأسيس، أو هكذا ينبغي أن يكون الأمر لدى أيّة جماعة وطنيّة في العصر الحديث. وعن المقدّمة هذه، وما تفترضه من نظام أولويّات، يصدر الموقف من كلّ ما يقع خارج حدود الدولة الوطنيّة. أمّا الممانعة، ومنذ أسلافها في الأنظمة العسكريّة والأمنيّة التي انبثقت من آيديولوجيّات القوميّة العربيّة، فترهن الموقف من الداخل الوطنيّ والحكم عليه بالموقف ممّا يقع خارج حدود الدولة الوطنيّة. هكذا يبدو الأمر كما لو أنّ الدول القائمة مجرّد ترتيبات إداريّة مؤقّتة فيما الشرعيّة تُستَمدّ من «أمّة» آيديولوجيّة، عربيّة أو إسلاميّة، غير قائمة في الواقع. وبالمعنى هذا، يستحقّ نظامٌ ما أن يُقلَب لأنّه لا يقاتل إسرائيل، أو أن يُمدَح لأنّه يقاتلها، و»لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» في الصراع مع الدولة العبريّة. ومنذ 1979، بات هذا المعيار يتغذّى على معيار آخر مفاده أنّ الوطنيّ هو الذي يتحمّس لموقع نفوذ إيرانيّ في بلده ما دام أنّه يقاتل إسرائيل.

والحال أنّه قبل الحرب الحاليّة، بل قبل حروب «مصيريّة» و»قوميّة» كثيرة، كان ثمّة رأي عريض يدين «حزب الله»، ويدين، قبلهما، أنظمة التجبّر الأمنيّ في المشرق. وهذا ما لم يصدر فحسب عن رداءة السياسات الداخليّة لتلك الأطراف، بل أيضاً عن قيام تلك السياسات، وإلى أبعد مدى ممكن، على تغليب العنصر العابر للحدود، أكان ذلك صدقاً أم كذباً. والأمران إنّما يستحيل فصل واحدهما عن الآخر تبعاً لاندراجهما معاً في نظام مفهوميّ وسياسيّ واحد. فإذا كانت حجّة القائلين «لا هذا ولا ذاك» أنّ «حزب الله» وحلفاءه لا يقاتلون إسرائيل «فعلاً»، فإنّ الحجّة تلك تبدو اليوم سقيمة جدّاً، لأنّ الحزب يقاتلها، والمشكلة هي بالضبط أنّه يقاتلها فيكون قتاله لها الوجه الآخر المكمّل لقتلنا نحن. وهذا ما يملي موقفاً مباشراً من مبدأ «قتال إسرائيل» بوصفه أولويّة ومعياراً حاكماً.

بلغة أخرى، فإنّ الالتزام الأخلاقيّ والانسانيّ والثقافيّ بالحقّ والدولة الفلسطينيّين شيء، والاندفاع في حرب تحتقر الإرادة الشعبيّة في بلد بعينه شيء آخر. كذلك فإنّ أقصى الإدانة للوحشيّة الإسرائيليّة، المعبّدة بجرائم الحرب المتواصلة، لا ينبغي أن تستدعي هذه الوحشيّة إلى الداخل الوطنيّ شرطاً لـ»وطنيّتها». وإنّما للتمييز هذا يغدو الموقف من «حرب الإسناد»، أي منها هي نفسها كمبدأ لا كممارسات تفصيليّة، معياراً حاكماً: ذاك أنّ الموافقة عليها لا تجد أيّ سند في موقف وطنيّ سياديّ، لكنّها تجد الكثير من الأسانيد في مقاربة العالم قوميّاً أو دينيّاً أو شعبويّاً بالمعاني الدارجة.

وأغلب الظنّ أنّ نظريّة «لا هذا ولا ذاك» تجمع بين تأويل للعالم لا تزال القوميّة العابرة للحدود، وربّما الدين، يلعبان فيه دوراً وازناً، وتطلّعات مدارها الوطنيّة والعدالة والحرّيّة. وإذ ينشطر الواقع الفعليّ بين الأولويّتين، ويتبدّى يوماً بيوم أنّ جمعهما مستحيل، تغدو نظريّة «لا هذا ولا ذاك» أقرب إلى وعظ مشوب بتوزيع الإدانات يمنة ويسرة على الطرفين.

فهل يُفترض مثلاً، مع ضعف «حزب الله» تبعاً للضربات الإسرائيليّة، أن لا تتقدّم الدولة اللبنانيّة لملء الفراغات التي يتركها هذا الضعف لأنّ في ذلك «رهاناً» على إسرائيل؟ وهل كان ينبغي رفض تمدّد الشرعيّة إلى المطار والمرفأ وسواهما من المرافق لأنّ هذا التمدّد يستفيد من وقائع حربيّة أنتجتها أفعال إسرائيليّة؟ واستطراداً، ماذا عن مبدأ نزع سلاح «حزب الله»، ونزع سلاح أيّ حزب كان، بغضّ النظر عن صراع هذا الحزب مع إسرائيل أو عدمه؟

أمام أسئلة عمليّة كهذه لا يتّضح الفارق بين الممانعة و»الممانعة المضادّة» فحسب، بل تتّضح أيضاً استحالة التوفيق بينهما، وكذلك استحالة «تركيبهما» في كلٍّ أعلى، أو الوقوف في وسطٍ ما بينهما. وما الأحداث التي تُعاش دماً وخراباً سوى نبع من البراهين.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»  عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»



GMT 21:26 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 21:25 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

معلقات اليمن

GMT 21:24 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

العصا الرقمية... والهشّ على الغنم

GMT 21:23 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في عشق السلاح...

GMT 21:22 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا المتحدة... وليبيا المُنقسِمة

GMT 21:21 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في ذكرى استقلال ليبيا... ماذا أبقيتم للأجيال المقبلة؟

GMT 21:20 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاستقرار في غزة

GMT 21:19 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:23 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 19:07 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

عبير صبري تؤكد إلى أحمد مالك الأخلاق مش بتنفصل عن الفن

GMT 05:24 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

الجماعات الإسلامية" تشن حملة لتشوية الإعلام"

GMT 12:06 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «شماريخ» يتصدر شباك التذاكر بـ14 مليوناً و521 ألف جنيه

GMT 12:12 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة وواشنطن تدعمان عائلات متضرري انفجار مرفأ بيروت

GMT 15:19 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل فريدة ومميزة في مجموعة «كروز 2021»

GMT 15:37 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج القرد..ذكي واجتماعي ويملك حس النكتة

GMT 00:19 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فوائد حب الرشاد للشعر وطرق تحضير خلطات منه

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 06:49 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

تعرف علي توقعات درجات الحرارة المتوقعة في مصر الخميس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon