الثورات العربيّة أكثر من ثنائيّات ثلاث

الثورات العربيّة: أكثر من ثنائيّات ثلاث

الثورات العربيّة: أكثر من ثنائيّات ثلاث

 لبنان اليوم -

الثورات العربيّة أكثر من ثنائيّات ثلاث

حازم صاغيّة
في السنوات الثلاث الماضية نقلتنا الثورات العربيّة الخمس من ثنائيّة «داخل – خارج» الطاغية إلى ثنائيّة جديدة مفادها: «نظام – شعب». فالثنائيّة الأولى كانت قد هيمنت طويلاً على الفكر السياسيّ العربيّ. إلاّ أنّها، وبالتعريف، لم تعامل العرب كمواطنين في دول، بل عاملتهم كأنّهم وظائف، أو أرقام مطالَبة بأن تقاوم الاستعمار والإمبرياليّة والصهيونيّة الخ...، وأن تضحّي بحقوقها، أو تتنازل عنها، وأن تتحمّل أنظمتها الجائرة لمجرّد أنّ تلك الأنظمة تقاوم، أو تزعم أنّها تقاوم، أولئك الأعداء الخارجيّين. الحرّيّة، وفقاً لتلك الثنائيّة، ليست مهمّة، وليست مهمّة أيضاً مستويات المعيشة والتعليم والصحّة وسواها من وجوه الحياة وتعابيرها. المهمّ التصدّي لأميركا وإسرائيل، ولو لفظيّاً فحسب. الثنائيّة الثانية، الوليدة، بدت أدقّ كثيراً وأصدق بلا قياس. لقد قلبت المعادلة مستعيدةً ومحوّرةً فكرة قديمة للمثقّف المصريّ أحمد لطفي السيّد: لولا الاستبداد لما كان هناك استعمار. المشكلة، وفق هذه الثنائيّة، مقيمة فينا. إذاً فلنواجهها. فلنبدأ بالعدوّ الذي نراه أمامنا والذي نصطدم به في حياتنا وحريّاتنا ومستوى معيشتنا وتعليمنا وصحّتنا. قد يكون هناك عدوّ غير مرئيّ وقد لا يكون، لكنّنا لن نكون مؤهّلين لتمييزه قبل تحرير أعيننا، أي قبل التحرّر من العدوّ الذي نراه كلّ لحظة كما نراه كيفما التفتنا. إذا فعلنا العكس، فقاومنا غير المرئيّ وتحاشينا المرئيّ، كنّا كمن يستلب نفسه بنفسه. الثنائيّة الأولى ناقصة جدّاً وتنطوي على كثير من الكذب. ذاك أنّ الإنشاء السلطويّ أساسيّ فيها، إن لم يكن في تأسيسها، ففي تشكيلها وتوظيفها واستخدامها. لكنّ الثنائيّة الثانية ليست كافية بذاتها، فيما نسبة البراءة التي تسكنها مرتفعة جدّاً. كذلك مرتفعة جدّاً نسبة النَسخ الذي تمارسه عمّا وصلنا من تجارب ثوريّة غربيّة، لا سيّما منها الثورة الفرنسيّة حيث «الشعب» في جهة والطغيان الملكيّ – الكنسيّ في جهة أخرى. هذا النقد للثنائيّة الثانية حكم أصدرته الثورات العربيّة تباعاً، وقبلها أصدره العراق منذ تحريره/احتلاله في 2003، بل لبنان منذ حربه الأهليّة في 1975. الثنائيّة الثانية، على ما يتبدّى اليوم، لا تكتمل من دون ثنائيّة ثالثة: «مجتمع – مجتمع». ذاك أنّه لا يكفي أن يرحل صدّام حسين ومعمّر القذّافي وبشّار الأسد. إنّ رحيلهم شرط ضروريّ بالتأكيد، على عكس ما يقوله الثقافويّون الذين يريدون مواجهة الدين والتقاليد والثقافة من دون مواجهة السلطة، كما لو أنّهم يتحدّثون عن سلطة حياديّة غير تدخّليّة لا تشبه إطلاقاً سلطاتنا الديكتاتوريّة وشبه التوتاليتاريّة. لكنّ رحيل أولئك المستبدّين ليس بالشرط الكافي، على عكس ما يقوله المناضلون السياسويّون الذين تستغرقهم المعركة مع السلطة فيقعون في تمجيد شعبويّ للمجتمع ثقافةً وديناً وتقاليد وتراكيب، أو يقعون، في أحسن الحالات، في غضّ نظر عنها. الثنائيّة الثالثة هي وحدها ما يوسّع الثنائيّة الثانية ويعمّقها. فهي تقول بوجود سلطة سيّئة وقمعيّة ومولّدة للعنف في المجتمع أيضاً. ذاك أنّ السلطة السيّئة لا تقيم فحسب في السلطة السياسيّة، وإن كانت الأخيرة ذراعها الضاربة وفصيلها المتقدّم. مع ذلك، فالثنائيّة الثالثة قد تجرح نرجسيّة الثنائيّة الثانية التي تؤكّد على وحدة «الشعب» وتمام «الوطن». وهذا ما ينبغي للثورات أن تملك القدرة على احتماله والتعامل معه مهما بلغت الأكلاف، وصولاً إلى إعادة النظر بالخرائط. في الحالات كافّة يتّضح اليوم بجلاء غير مسبوق كم أنّ الثنائيّات، وما تنطوي عليه من تناقضات، قادرة على وصف الواقع جزئيّاً فحسب، أمّا تعليبه في ثنائيّات فمستحيل.
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثورات العربيّة أكثر من ثنائيّات ثلاث الثورات العربيّة أكثر من ثنائيّات ثلاث



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon