في أن لبنان لا يحتمل عقيدة رسمية

في أن لبنان لا يحتمل عقيدة رسمية

في أن لبنان لا يحتمل عقيدة رسمية

 لبنان اليوم -

في أن لبنان لا يحتمل عقيدة رسمية

حازم صاغية
لم ينشأ لبنان، حين قام في 1920 وحين استقل في 1943، على عقيدة رسمية تسقط على مجتمع مدعو إلى اعتناقها. بطبيعة الحال كان هناك تأويل سائد عبر عنه الكتاب المدرسي، كما عبر خليط من وقائع وخرافات نقلتها الأغاني كما عممتها عظات الكنائس وبعض خطب المساجد. وكما في أي مكان آخر، أريد لهذا كله أن يشكل «الأسطورة المؤسِسة» للكيان الجديد، والتي عبرها يتعرف الكيان إلى ذاته كما يتعرف أبناؤه إليه وإلى أنفسهم. وككل «أسطورة مؤسسة»، لم تغب عناصر الرجحان والأولوية عنها، فحضرت الرواية المسيحية للتاريخ بأقوى مما حضرت الرواية الإسلامية، كما حضرت الرواية الجبلية بأقوى مما حضرت رواية الساحل والأطراف. وهذا ما كان مرده إلى أن فكرة الوطن اللبناني ولدت وترعرعت في الجبل المسيحي، بينما قامت الرواية الإسلامية والطرفية يومذاك على نفي الرواية ومعاكسة النشأة اللبنانية. لكن ذلك لم يصبح عقيدة للدولة والمجتمع. فظل القائل بقومية لبنانية تنشد إلى ماضٍ فينيقي متوهم، يجد من يرد عليه بقومية عربية يضرب جذرها في الفتح الإسلامي، أو بقومية سورية تستدرج علم الآثار والعلمويات المنقرضة إلى الحاضر. وباستثناء اللحظات التي استُخدم فيها السلاح، في 1949 و1958 و1962، عرف لبنان تجاوراً بين هذه الأفكار والأهواء وازاه التجاور بين الاقتراحات السياسية المتفرعة عنها. ولم يكن غريباً بالتالي أن يرى أحدهم في الصلة مع الغرب، وصولاً إلى الحياد في الصراع العربي – الإسرائيلي، الطريقة المثلى لخدمة مصلحة لبنان التي كان غيره يرى ما يخدمها في تعميق التواصل مع العالم العربي وصولاً إلى الانخراط في النزاع مع الدولة العبرية. وبالتأكيد صورت تلك اللوحةُ تعدد اللبنانيين الذي انقلب تفتتاً بلا ضوابط، تفتتاً لا تترجمه إلا الحروب والمنازعات الأهلية. إلا أنه بدل الإقرار بهذا التعدد والسعي إلى مأسسته، فرضت الوصاية السورية، منذ اتفاق الطائف، مبدأ الصهر الذي صاغته، للمرة الأولى في تاريخ لبنان، عقيدة رسمية تعتنقها الدولة وتُسقطها على المجتمع. وفي السياق هذا، كانت «عروبة لبنان» ونظرية «الشعب الواحد في دولتين» وما تفرع عن تلك العقيدة من سياسات تتصدرها «وحدة المسار والمصير». وكمثل سائر الأيديولوجيات لم يخلُ الأمر من التواء وعَوَج. ذاك أن عروبة لبنان، مثلاً لا حصراً، باتت لا تعني إلا الوقوف في صف سورية، ولو عنى ذلك الوقوف ضد مصر والعراق والسعودية والمغرب وسائر الدول العربية. ولسنوات طويلة تولى التخوين والتشهير والابتزاز بتعريف أخرق للوطنية حراسةَ العقيدة الرسمية المفروضة ضداً على تعدد اللبنانيين. فحين سقطت الوصاية ورحل جيشها وأجهزة أمنها، ورث «حزب الله» هذا المنزع الاستبدادي عنها صباً للبنانيين في قالب المقاومة الضيق. وما لبث هذا الصب أن عثر على شعاره في ثلاثية «الشعب والجيش والمقاومة» الذي حُملت الحكومات واحدة بعد أخرى على تبنيه. ومن غير أن يكون واضحاً تماماً ما الذي سوف تستقر عليه أمور اللبنانيين، فالواضح أنهم، بتكوينهم وميولهم، لا يحتملون العقيدة الرسمية المُلزمة. وهذا، في أغلب الظن، ما يعنيه سقوط الثلاثية السيئة الذكر لصالح «صيغة أشد مرونة» في البيان الوزاري. وتلك، على رغم كونها خطوة صغيرة، بل على رغم أن الحكومة الجديدة نفسها قد لا تستطيع التأثير في المجريات العريضة، تنم عن مقاومة التعدد لواحدية العقيدة المسماة مقاومة.
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في أن لبنان لا يحتمل عقيدة رسمية في أن لبنان لا يحتمل عقيدة رسمية



GMT 17:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ميلاد مجيد محاصر بالتطرف

GMT 17:16 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكومة العالم

GMT 17:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هل انتهى السلام وحان عصر الحرب؟!

GMT 17:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟

GMT 17:13 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مقتل الديموغرافيا

GMT 17:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مبدأ أثير لدى ساكن البيت الأبيض

GMT 17:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماذا تبقى من ذكرى الاستقلال في ليبيا؟

GMT 17:10 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظاهرة الأصولية وحالة «التأقلم الماكر»

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon