أن تكون شيوعيّاً لبنانيّاً اليوم

أن تكون شيوعيّاً لبنانيّاً اليوم

أن تكون شيوعيّاً لبنانيّاً اليوم

 لبنان اليوم -

أن تكون شيوعيّاً لبنانيّاً اليوم

بقلم:حازم صاغية

ليس مفهوماً تماماً ما يصدر هذه الأيّام عن الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ وقيادته. فالشعور بالتعاسة والغضب في محلّه، أكان بسبب تعرّض لبنان مجدّداً لاحتلال إسرائيليّ، أم تضامناً مع الضحايا المدنيّين في حرب الإبادة بغزّة. لكنّ الشعور هذا، وهو بالطبع يتعدّى كثيراً نطاق الحزب المذكور، لا تصاحبه أيّة رؤية لتحوّلات أخرى من طبيعة مختلفة. وهذا علماً أنّ التحوّلات المشار إليها تعني الشيوعيّين مباشرة، هم الذين يقدّمون أنفسهم تقليديّاً كأخصائيّين في رصد التحوّلات.

فحصر السلاح في يد الدولة وجيشها بات منذ أشهر العنوان الأبرز للسياسة في لبنان. وهو ما يتيح، إذا قُيّض له أن يكتمل، تحرير النشاط الحزبيّ من خوفه ومن استتباع السلاح له، ومن جعل السياسات الحزبيّة استجابةً لهذا العنصر الذي، وللمفارقة، يعطّل كلّ حياة حزبيّة. وبعد كلّ حساب، فقد سبق للسلاح هذا أن ألحق الحزب الشيوعيّ اللبنانيّ بفصائل «منظّمة التحرير الفلسطينيّة» قبل أن يلحقه بـ «حزب الله». وكانت مأسويّة جدّاً علاقة الشيوعيّين بالسلاح الحليف الذي أقدم على اغتيال بعض قادتهم الفكريّين والسياسيّين وبعض كوادرهم ومقاوميهم، فيما منعهم بالعنف والزجر من أيّ دور في المقاومة العزيزة على قلوبهم.

لكنْ أيضاً، وخصوصاً بسبب سقوط النظام السوريّ السابق، تنشأ فرصة للتحرّر من أنظمة «التحرّر الوطنيّ» الأمنيّة التي اغتالت القائدين الشيوعيّين فرج الله الحلو في 1959 وجورج حاوي في 2005. وهذا ليس بالشأن اللبنانيّ حصراً، إذ ينطبق على القادة الشيوعيّين على مدى الرقعة العربيّة بأكملها: من المصريّ شهدي عطيّة الشافعي (صفّته الأجهزة الناصريّة في 1960) إلى العراقيّ سلام عادل (صفّاه البعثيّون في 1963) إلى السودانيّين عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ (صفّاهما، في 1971، جعفر نميري الذي كان ناصريّاً يومذاك). فهؤلاء وسواهم لم يقض أيّ منهم على يد «الرجعيّة والإمبرياليّة»، بل تولّى المهمّة ضبّاط وأمنيّون أسبغ عليهم الشيوعيّون نعوت «الوطنيّة والتقدّميّة».

هكذا إذاً يتشكّل ظرف ملائم للشيوعيّين وأحزابهم كي يتعافوا من مازوشيّتهم التاريخيّة حيال الأنظمة الأمنيّة كما حيال الميليشيات المسلّحة، بعدما كافأوهم على إنزالهم الألم بهم بمحضهم الولاء والتبعيّة. وهذا ما يتيح للشيوعيّين اللبنانيّين مراجعة تجربتهم المأسويّة منذ مؤتمرهم الثاني في 1968، والذي حوّلهم ملحقاً بتلك الأطراف «الوطنيّة» و»القوميّة» التي تمعن في قتلهم. وهذا جميعاً إنّما حصل بين محطّتين بارزتين: بعد أن حلّ رفاقهم المصريّون تنظيماتهم الحزبيّة للانضواء في «الاتّحاد الاشتراكيّ العربيّ» الناصريّ، وقبل أن ينضوي رفاقهم السوريّون والعراقيّون في «الجبهات الوطنيّة والتقدّميّة» التي أنشأها البعثيّون.

والحال أنّ المواقف الشيوعيّة الوحيدة التي «جاءت الأحداث اللاحقة تؤكّد صحّتها» إنّما كانت المواقف الأقلّ قوميّة أو المضادّة للقوميّة، كقرار تقسيم فلسطين في 1947 ثمّ معارضة الوحدة المصريّة – السوريّة في 1958.

أمّا الذي يريد تعميم المراجعة وتوسيع نطاقها فقد تفيده فكرة العودة إلى تجربة الاتّحاد السوفياتيّ وسقوطه. فغالباً، وتحت ضغط الأفكار المترنّحة وأنظمتها الأمنيّة في العقود المنصرمة، رُكّز على الآثار السلبيّة التي خلّفها ذاك السقوط على الشيوعيّين وحلفائهم «المناهضين للإمبرياليّة». واليوم بات في وسع الأخيرين أن يراجعوا الحرّيّات التي يتيحها لهم السقوط إيّاه، وما يترتّب عليها من إمكانات جديدة لتطوير سياسات تلحّ عليها مجتمعاتهم، ولتجنّب سياسات ضارّة كان يطالبهم بها الرفيق الأكبر في موسكو.

ولمّا كانت الشيوعيّة السودانيّة فاطمة أحمد ابراهيم، أوّل امرأة تدخل برلماناً عربيّاً، وكان ذلك في 1965، وكانت الشيوعيّة العراقيّة نزيهة الدليمي أوّل امرأة تشغل منصباً وزاريّاً في العالم العربيّ، وكان ذلك في 1959، فإنّ انحسار التنظيمات الإسلاميّة المناهضة للنساء يُفترض أن يكون خبراً مُفرحاً للشيوعيّين. أبعد من هذا، فإنّ ما يؤدّي إليه انحسار كهذا من تراجع في تديين السياسة يمكنه فتح الباب أمام فرص كانت مغلقة تماماً.

فهذا على عمومه إنّما يعزّز احتمالات الحضور الديمقراطيّ والسلميّ، السياسيّ والنقابيّ والإعلاميّ، لمن يشاء، كما يعزّز فرص التبشير (نعم، التبشير) بقِيَم يعتبرها أصحابها مضيئة وتقدّميّة وعقلانيّة. وفي وسع الشيوعيّين تحديداً، في عالم يخلو من السلاح والمسلّحين، أن يكونوا راديكاليّين إلى الحدّ الذي يرغبون فيه حيال ظاهرات نقص العدالة والمساواة أو الممارسات الطائفيّة أو انتهاكات «الطغمة الماليّة» والمصارف أو الفساد وتشوّه استخدام القوانين...

أمّا إسرائيل فيمكنهم، بطبيعة الحال، أن يتشدّدوا في الإلحاح على إنهاء احتلالها، أو في رفض السلام والتطبيع معها، أو في المطالبة بخطّة دفاعيّة يرون أنّها تحمي لبنان منها. بل يمكنهم، إذا شاؤوا، المضيّ في التشهير بمخطّطات ومؤامرات يقولون إنّ الحلف الأطلسيّ يرعاها.

فالحياة من دون سلاح تتّسع لأمور كثيرة ولأصوات عدّة بما فيها صوت الشيوعيّين كائناً ما كان يحمله هذا الصوت ويردّده. أمّا في ظلّ السلاح فتبقى الحياة برمّتها مهدّدة، لا حياة الشيوعيّين ولا حياة الأحزاب فحسب.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أن تكون شيوعيّاً لبنانيّاً اليوم أن تكون شيوعيّاً لبنانيّاً اليوم



GMT 21:26 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 21:25 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

معلقات اليمن

GMT 21:24 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

العصا الرقمية... والهشّ على الغنم

GMT 21:23 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في عشق السلاح...

GMT 21:22 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا المتحدة... وليبيا المُنقسِمة

GMT 21:21 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في ذكرى استقلال ليبيا... ماذا أبقيتم للأجيال المقبلة؟

GMT 21:20 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاستقرار في غزة

GMT 21:19 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:23 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 19:07 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

عبير صبري تؤكد إلى أحمد مالك الأخلاق مش بتنفصل عن الفن

GMT 05:24 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

الجماعات الإسلامية" تشن حملة لتشوية الإعلام"

GMT 12:06 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «شماريخ» يتصدر شباك التذاكر بـ14 مليوناً و521 ألف جنيه

GMT 12:12 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة وواشنطن تدعمان عائلات متضرري انفجار مرفأ بيروت

GMT 15:19 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل فريدة ومميزة في مجموعة «كروز 2021»

GMT 15:37 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج القرد..ذكي واجتماعي ويملك حس النكتة

GMT 00:19 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فوائد حب الرشاد للشعر وطرق تحضير خلطات منه

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 06:49 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

تعرف علي توقعات درجات الحرارة المتوقعة في مصر الخميس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon