عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

 لبنان اليوم -

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

بقلم:حازم صاغية

بين فينة وأخرى، وعلى رغم ما حصل ويحصل، يطلّ علينا من يندّد بـ «النظام الطائفيّ» في لبنان مُحمّلاً إيّاه مسؤوليّة ما آلت إليه أوضاع البلد المنكوب.

و»النظام الطائفيّ» ليس شيئاً قابلاً للدفاع عنه، كما يستحيل تنزيهه عن بعض الكوارث التي نزلت وتنزل باللبنانيّين، خصوصاً منها تعزيزه الزبونيّة والفساد الذي تزيده المركزيّة فساداً.

مع هذا، وسعياً وراء الدقّة والأمانة، يُستدعى رسم الخيوط التي تشكّل حدود هذه المسؤوليّة. فحين لا يتمّ ترسيم كهذا، يغدو نقد «النظام» جزءاً من ديناميّات تبرئة النفس، على اعتبار أنّ هذه النفس هي المجتمع أو الشعب، فيما النظام هو الغريب الطارئ الهابط على المجتمع من خارجه. ونعرف أنّ تبرئة النفس، أي المجتمع والشعب، تقليد أصيل من تقاليد الثقافة السياسيّة السائدة عربيّاً، وليس لبنانيّاً فحسب. أمّا هجاء النظام، بهذا المعنى، فهو أيضاً ابن تقليد عريق وعابر للحدود يعمل على نحو شبه آليّ، وكثيراً ما تنطوي في هذا الهجاء، المطلق والمسبق، نزعة رافضة كلَّ تدخّل تنظيميّ في العلاقات الاجتماعيّة المعطاة.

وبعيداً من ثنائيّة الشعب المقدّس دائماً والنظام المدنّس أبداً، ينبغي التذكير بأنّ «الطائفيّة»، ما دامت تشكّل أسوأ ما في النظام السياسيّ السيّء، سابقةٌ على النظام الطائفيّ. فهذا الأخير، أعادَت ولادته إلى 1920 حين نشأ «لبنان الكبير» أم إلى 1943 حين استقلّ، هو الذي ورث الطائفيّة بوصفها شكلاً للاجتماع الأهليّ. وبدورها تفرّعت تلك الطائفيّة، مع دخول الحداثة، عن شكل عصبيّ عشائريّ أسبق عهداً.

فإذا كان النظام الطائفيّ قد حافظ على تلك الطائفيّة وأعاد إنتاجها، وهذا ما لا يُمارى فيه، فإنّه ظلّ دائماً يلهث محاولاً اللحاق بها. وإذا صحّ أنّ النظام هذا متقدّم على الطائفيّة الأهليّة الخام، فليس هناك أيّ دليل صلب على أنّ المجتمع يخبّىء لنا بديلاً شعبيّاً قويّاً يتجاوز الطائفيّة ونظامها. ولئن كان معلوماً وشائعاً كيف تقلّصت أحزاب سياسيّة سمّت نفسها علمانيّة ومناهضة للطائفيّة، وكيف قدّمت لحظة كلحظة 17 تشرين مثلاً عن الاستثناء الذي يؤكّد القاعدة، فقد وفّرت انتخابات المجالس البلديّة أقوى البراهين على تلك الحجّة. فهنا تصوّت أغلبيّات المواطنين الكاسحة لمرشّحي طوائفها، علماً بانعدام القيد الطائفيّ في تلك الانتخابات، على عكس الحال في الانتخابات النيابيّة.

ولا بدّ، بالمناسبة، من بضع ملاحظات تحدّ من النظر الأحاديّ إلى «النظام الطائفيّ» كعيب مطلق بذاته. فهو ليس نظاماً عسكريّاً مفروضاً بالقوّة على السكّان، بل هو نتاج عمليّة برلمانيّة قد تستحقّ الكثير من الطعون من دون أن تسقط الطعونُ طاقتَها التمثيليّة. وبحثاً عن نظرة أشدّ توازناً، تحضر الحقيقة العصيّة على التجاهل، وهي أنّ «النظام الطائفيّ» هذا جنّب لبنان الوقوع في براثن حكم عسكريّ ديكتاتوريّ أو شبه توتاليتاريّ خضعت لمثله بلدان عربيّة عدّة.

ما قد يكون أهمّ من ذلك أنّ لحظات تفجّر المسألة الطائفيّة واصطباغها بالعنف هي نفسها لحظات انفجار مسألة الهويّة على إيقاع الصراعات العابرة للحدود. فهذا ما حصل للمرّة الأولى في 1958 مع صعود الناصريّة والانقسام حولها، ثمّ في 1975 مع الانقسام حول المقاومة الفلسطينيّة، وأخيراً مع ولادة «حزب الله» وحروبه. ولمّا كانت تلك التحوّلات تترافق مع حمل السلاح وانتشاره، بات تحصيلاً حاصلاً خوفُ الجماعات الأضعف وما يستدعيه خوفها من تلاحم واستقطاب. لكنّ هذه الظروف تترافق أيضاً مع تعطّل «النظام الطائفيّ»، لا مع فعاليّته، إذ يكون سلاح الدولة أضعف من أسلحة الميليشيات الطائفيّة، لا بل قد تغدو خدماتها وتقديماتها أقلّ ممّا تقدّمه تلك الميليشيات.

ولا تكتمل اللوحة من دون الإشارة إلى أحوال الجوار الذي غالباً ما يمدّ مسلّحي الداخل بالسلاح أو المال أو العقيدة أو بالثلاثة معاً. والحال أنّ في وسع جوار يشغله نظام كنظام الأسد في سوريّا، أو النظام الخمينيّ في إيران، وقبلهما نظام عبد الحميد السرّاج في دولة الوحدة المصريّة – السوريّة، أن يهدّد أمن بلدان راسخة في الاندماج الوطنيّ والاستقرار، فكيف لا يهدّد أمن بلد كلبنان، حديث النشأة وكثير الطوائف والثقافات الفرعيّة؟

وهكذا يأتي نقد «النظام الطائفيّ» في لبنان، من غير الإشارة إلى جوار عديم الاكتراث بالقوانين والأعراف الدوليّة وحسن الجوار، وفي معزل عمّا يسمّى حروباً قوميّة عابرة للحدود، نقداً محمّلاً بالتجاهل الممزوج بكثير من النوايا الشرّيرة. فكيف حين يُستخدَم هذا النقد في زمن كهذا، زمنٍ يعاني «النظام الطائفيّ» فيه أسوأ أوضاعه وأشدّها عجزاً، فيما تتمكّن الميليشيا الطائفيّة، المسمّاة «حزب الله»، من أن تجرّ البلد إلى حرب تدميريّة كالتي عشناها ولا نزال نئنّ تحت وطأتها؟

فمن شاء التغلّب على الطائفيّة ونظامها ستصطدم مساعيه بالاستحالة إن لم يرافقها، كحدّ أدنى، ابتعاد كلّيّ عن القضايا المسمّاة قوميّة، وما تستجرّه من عبادة للسلاح وتقديس له، ومن مشاعر ودّيّة حيال أنظمة أمنيّة وعسكريّة وتنظيمات ميليشيويّة لبنانيّة كانت أم غير لبنانيّة، ومن ممارسات التحاق بها أو ذوبان فيها.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان



GMT 22:28 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التسامح والمحبة و”سجدة الفاخوري”

GMT 22:27 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

الامتحان الحقيقي في سوريا...

GMT 21:35 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

قصة مملّة ورواية باهتة

GMT 21:34 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إرهاب سيدني وتدمر... «عادْ نِحنا إلّا بِدينا»

GMT 21:33 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

التطرف وباء «القرية الكونية»

GMT 21:32 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

واشنطن... تحدي هندسة التنازع الإقليمي

GMT 21:31 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

وداع «الست» على موسيقى «ألف ليلة»

GMT 21:30 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

تسويات «إلا حتة»

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 21:47 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء
 لبنان اليوم - مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء

GMT 22:12 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول
 لبنان اليوم - اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول

GMT 22:14 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا
 لبنان اليوم - إيفانكا ترامب تعلق على هجوم أستراليا

GMT 00:46 2016 الخميس ,25 آب / أغسطس

وصفة طبيعية لتحصلي على أكواع بيضاء

GMT 22:53 2017 الجمعة ,21 تموز / يوليو

الشهري يستقيل من تدريب فريق النهضة السعودي

GMT 22:47 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

جورج قرداحى يسلم جائزة "اسم من مصر" للفائز

GMT 07:07 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

كارول سماحة تنتهي من تصوير "وحشاني بلدي"

GMT 15:56 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

الموضة الرائجة للبلوزات خلال موسم ربيع وصيف 2022

GMT 10:56 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

وزير مصري سابق يؤكّد أنّ أعراض "كورونا" تختلف بحسب الطقس

GMT 10:35 2015 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

مقتل شخصين وإصابة 300 في إعصار عنيف ضرب تايوان

GMT 21:46 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تكشف عن تعرضها للتحرش الجنسي في إحدى حفلاتها

GMT 12:12 2017 الثلاثاء ,04 إبريل / نيسان

جرائم زنى المحارم صداع في رأس المجتمع التونسي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon