تونس بين الثورة والإرهاب

تونس بين الثورة والإرهاب

تونس بين الثورة والإرهاب

 لبنان اليوم -

تونس بين الثورة والإرهاب

حازم صاغية

حين قُتل أسامة بن لادن، في 2 أيّار (مايو) 2011، وكانت ثورات «الربيع العربيّ» تستولي على الأفق، ظهر رأي يقول إنّ الثورات قتلت بن لادن سياسيّاً قبل أن يقتله الجنود الأميركيّون فيزيائيّاً. فصعودها وإقحامها الجماهير في السياسة، بعد طول استبعاد، ضربا مقوّماً أساسيّاً من المقوّمات التي نهض عليها الإرهاب وينهض. لكنّ هبوط الثورات اللاحق ترافق مع استعادة الظاهرة الإرهابيّة زخمها، وبقوّة تفوق كثيراً ما كانت عليه قبلاً، على الأقلّ وفقاً لما تنمّ عنه الظاهرة «الداعشيّة».

وحتّى العمليّة الإرهابيّة في متحف باردو بالعاصمة التونسيّة، كان يبدو أنّ تونس قد تنجو من هذه السيرورة، على رغم الاغتيالين اللذين أوديا بشكري بلعيد ومحمّد براهمي والعمليّات الموضعيّة في جبل الشعانبي. فثورتها حقّقت نجاحاً، ولو نسبيّاً، إذ تمكّنت من تجنيب بلدها الحرب الأهليّة والانقلاب العسكريّ في آن، بينما أرست تداولاً سلمياً على السلطة بين أطراف متنازعة سياسيّاً وإيديولوجيّاً. لكنْ إذا كان الوعد بالنجاح يهدّد الإرهاب في تونس، فإنّ الأخير، مستفيداً من انبعاثه الكبير في سائر البلدان، يملك من الأوراق ما يهدّد به استكمال النجاح التونسيّ.

فهناك، من حيث المبدأ، القلق الذي يلازم المراحل الانتقاليّة وغموضها، لا سيّما متى ترافق مع أوضاع اقتصاديّة سيّئة تتصدّرها حاليّاً بطالة واسعة تجد في الركود العالميّ نسغها المغذّي. وما بات ذائعاً عن ظاهرة الشبّان التونسيّين و»هجرتهم» للقتال في سوريّة يشيان جزئيّاً بهذا الواقع المركّب.

وهناك أيضاً الحدود التونسيّة مع ليبيا التي تمتدّ على 459 كلم، والتي باتت حدوداً مع حرب أهليّة وميليشيات متفلّتة وتجّار حرب ومافياتها في ظلّ انتشار لمخازن من السلاح لا تنضب.

ثمّ هناك الوضع المأزوم للاقتصادات الأوروبيّة، خصوصاً منها الجنوبيّة ذات التداخل الوثيق مع الاقتصاد التونسيّ، إن عبر التبادل أو عبر السياحة والعمالة المهاجرة. وهذا ما يجعل التونسيّين بين الأشدّ تأثّراً بأزمة تنيخ بثقلها الأكبر على الأقلّيّات والعمّال المهاجرين. وإلى هذه اللوحة يضيف صعود اليمين العنصريّ في فرنسا مزيداً من المشاعر الحادّة احتقاناً وخوفاً وعداء وتعصّباً. فإذا صحّ، مثلاً، أنّ اليمين الوسطيّ لنيكولا ساركوزي استطاع، في الدورة الأولى للانتخابات المحلّيّة، أن يحلّ في الموقع الأوّل بنسبة 32 في المئة من الأصوات، فهذا لا يلغي أنّ «الجبهة الوطنيّة» لمارين لوبن جاءت في المرتبة الثانية بنسبة 25 في المئة.

وثمّة من بات يضيف إلى أسباب الخوف على تونس وثورتها عاملاً أخيراً، مفاده أنّ أطرافاً من النظام القديم لبن علي تحاول أن تستعيد الهيكليّة الأمنيّة السابقة بذريعة الإرهاب ومكافحته. وهكذا ينشأ استثمار في الإرهاب ينخرط فيه ألدّ أعدائه اللفظيّين، وبالتالي تُدفع التجربة التونسيّة دفعاً إلى تكرار التجربة المصريّة من حيث هي اعتذار عن الثورة ورجوع تدريجيّ إلى العهد القديم.

والحال أنّ في وسع الاستبداد، الذي لعب ويلعب الدور الأكبر في تأسيس الإرهاب، أن يتفرّج عليه اليوم وهو يقضم الثورة. أمّا الأخيرة فلن تتمكّن من استكمال نجاحها إلاّ بالمضي في مجابهة الطرفين، قطعاً مع الاستبداد – الأب، وضرباً للإرهاب – الابن.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس بين الثورة والإرهاب تونس بين الثورة والإرهاب



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon