البعث و «داعش» والوعي المُستأجر

البعث و «داعش» والوعي المُستأجر

البعث و «داعش» والوعي المُستأجر

 لبنان اليوم -

البعث و «داعش» والوعي المُستأجر

حازم صاغية

في نظرة استعاديّة تهتدي بما يعيشه العراق وسوريّة اليوم، يبدو حزب البعث أقرب إلى صاحب وعي مُستأجَر. فقد استأجرته في العقود الماضية، حين ظُنّ أنّنا في عصر الوطنيّة والحداثة، فئاتٌ وطوائف معيّنة كانت بحاجة إليه. وها هي اليوم، مع انقشاع الخديعة بذاك العصر، تستردّ نفسها منه وتتقدّم من العالم صريحة عارية من كلّ تزويق. إنّها، الآن، طوائف ومناطق فحسب.
فقطاعاتٌ ضيّقة من شيعة العراق وأبناء عائلات دينيّة وأريستوقراطيّة أقبلوا على البعث في الخمسينات والستينات، واجدين فيه أداة تعالٍ على شيعيّة الإيرانيّين، بذريعة أنّ الإسلام عربيّ، وأداة صدّ لتوسّع الحزب الشيوعيّ في الوسط والجنوب. وهذه مسألة بُتّت لاحقاً ولم يعد ثمّة ما يستدعيها: فمنذ ثورة الخميني، صار المطلوب شيعيّاً التماثلُ مع الشيعيّة الإيرانيّة، لا التباهي عليها، فيما الشيوعيّون لم يعودوا طرفاً يتوسّع ويهدّد سواه. وهذا فضلاً عن أنّ اصطباغ البعثيّة الحاكمة بالجيش، وهو تقليديّاً سنّيّ القيادة، بدأ، منذ 1963، يُخرج شيعة البعث من البعث. وبدوره، بات الأمر محنة أصابت البعثيّين الشيعة في 1979 مع سحق صدّام حسين «مؤامرة المنحرفين» عليه وجلّهم منهم.
وقطاعاتٌ عريضة من سنّة العراق أقبلوا على البعث، الشيء الذي عزّزته لاحقاً بعثيّة السلطة وتقديماتها. لكنْ قبل السلطة، خاطب الحزب العفلقيّ أهواء ونوازع تقليديّة عند سنّة العراق، كالعداء لـ «الفرس» و «العجم»، والتعالي على الأكراد، ومناهضة الشيوعيّة، وتمتين الصلة بالسنّة السوريّين في دير الزور وجوارها حيث تزدهر القرابات والمصالح العابرة للحدود. وبالفعل ناب البعث طويلاً مناب الحركات السنّيّة الراديكاليّة، فلم تُعرف في العراق تقليديّاً قوّة ملحوظة لـ «الإخوان المسلمين» مثلاً. لكنّه، من ناحية أخرى، نافس الناصريّة في الخمسينات والستينات على عواطف «الشارع السنّيّ»، وهذا ما لم يكن سهلاً في بلدان عربيّة أخرى. ذاك أنّ البعث مثّل أيضاً ذاك الطموح العراقيّ المزمن إلى منافسة مصر على الزعامة العربيّة، وهي مهمّة لم يقو عليها، أو لم يُردها، سنّة آخرون تنطّحوا للقيادة، كالأخوين عبدالسلام وعبدالرحمن عارف.
وحين انشقّ البعث بعثين في 1966، بدا الأمر استجابةً لتلك الرغبات المتفاوتة والمندمجة التي عبّر عنها البعث العراقيّ السنّيّ: تفلّتٌ من قيادة معقودة تقليديّاً للسوريّين، لا سيّما وقد باتت القيادة علويّة، واستقلال عن رطانة يساريّة لم تستسغها السنّيّة البعثيّة المحافظة في العراق.
واليوم استردّت السنّيّة العراقيّة نفسها التي كانت مؤجّرة للبعث، خصوصاً أنّ الأخير لم يعد مالك السلطة بقدراتها وتقديماتها وزعيمها المخيف. فإذا بعزت الدوري، الذي كان أحد نائبي الزعيم، يؤسّس «رجال جيش الطريقة النقشبنديّة»، فيما يعثر الكثيرون من ضبّاط صدّام على مواقعهم في قيادة «داعش».
أمّا بعث سوريّة، وإن اختلف أمره في التفاصيل، فيشبه بعث العراق في الوجهة العامّة. ذاك أنّ الأقلّيّات الريفيّة هنا استردّت أيضاً نفوسها المؤجّرة للبعث كي تجد في أجهزة الأمن والشبّيحة ملاذاً وصوتاً أصدق تعبيراً، وفي الدفاع عن الأقلّيّات وحلفها إيديولوجيّةً أفعل من «وحدة الوطن العربيّ الكبير».
ففي زمن الجدّ الطائفيّ لم يعد يتّسع المكان لهذر الشعريّة السقيمة كما صاغها ميشيل عفلق. وهذه، بدورها، كانت من السقم بحيث لم تصمد كثيراً أصلاً. لقد بات العقار المستأجَر مهجوراً، فيما الناس يدخلون أفواجاً في الطوائف بوصفها البيوت الوحيدة الصالحة للسكن. أوليس لكلّ مقام مقال؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البعث و «داعش» والوعي المُستأجر البعث و «داعش» والوعي المُستأجر



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon