الخطاب الشامل لسعد الحريري المتطرف

الخطاب الشامل لسعد الحريري 'المتطرف'...

الخطاب الشامل لسعد الحريري 'المتطرف'...

 لبنان اليوم -

الخطاب الشامل لسعد الحريري المتطرف

خيرالله خيرالله

يرفض سعد الحريري في سياق الحوار مع 'حزب الله ' 'احتقار' الحزب لجامعة الدول العربية واختزال العرب بنظام بشار الأسد ومجموعة ميليشيات وقبائل مسلحة تعيش على الدعم الإيراني.

كان خطاب الرئيس سعد الحريري في الذكرى العاشرة لغياب والده خطابا شاملا. لم يؤكّد الخطاب، الذي ألقي من بيروت، من مكان لا يبعد كثيرا عن مسرح الجريمة، أن مشروع رفيق الحريري لم يمت فحسب، بل أكّد أيضا أنه لا يزال هناك من يرفض محاولات وضع اليد على لبنان من منطلق أنّه مجرّد “ساحة” تابعة لمحور معروف.

لم يكن الخطاب عاديا بأيّ شكل، لا لشيء سوى لأنه وضع الأزمة اللبنانية التي يعبّر عنها بقاء البلد من دون رئيس للجمهورية في إطارها الإقليمي الصحيح والواضح في آن.

يتمثّل هذا الإطار في أن المطلوب من لبنان أن يكون جزءا من محور يمتد من إيران وصولا إلى فلسطين. يمرّ هذا المحور، الذي يعني، بين ما يعني، أن إيران باتت دولة مطلة على البحر المتوسط وعلى تماس مع إسرائيل، بالعراق وسوريا ولبنان. يسعى هذا المحور إلى التمدّد في كلّ الاتجاهات على حساب كل ما هو عربي في المنطقة. لذلك لم ينس سعد الحريري اليمن والبحرين، حيث تسعى إيران إلى تحقيق اختراقات على حساب البلدين ومستقبلهما.

كان خطاب سعد الحريري خطاب الوفاء. الوفاء لرفيق الحريري وما فعله من أجل لبنان واللبنانيين. كان خطاب وفاء للمملكة العربية السعودية التي ساعدت لبنان في الظروف الحالكة ولا تزال تساعده. لا عيب في تسمية الأمور بأسمائها. لا عيب إطلاقا في شكر المملكة على ما قدّمته للبنان، مثلما لا عيب في إعلان الحرب على التطرّف والانحياز للاعتدال ولـ“الدولة المدنية” من دون مواربة.

كان خطاب سعد الحريري خطاب الدفاع عن الدولـة اللبنانيـة ومؤسساتها، مع التذكير بقوّة الصيغة اللبنانية على الـرغم من كلّ ما تعرّضت له بعد اغتيال رفيق الحريري. في هذا المجال لابدّ من التـوقف عند التحدي الأوّل الذي يواجه لبنان حاليا. هذا التحدي عائد إلى أنّ “الدولة أصبحت رهينة معادلة أمسكت بقرار الحرب والسلم لتضع لبنان على حافة الصراع مع كلّ الجهات”.

تكمن أهمّية الخطاب أيضا في أنّه لا يكتفي بتحديد الداء الذي يعاني منه لبنان والمنطقة. هناك مشروع قابل للحياة لديه جذوره العميقة تلك التي زرعها رفيق الحريري. يقف هذا المشروع سدّا منيعا في وجه التحدّيات المطروحة. فرفيق الحريري “أمضى سنوات وسنوات لإعادة بناء الدولة، وها نحن نواجه اليوم خطة لتفريغ الدولة وتدمير مؤسساتها. رفيق الحريري عمل لسنوات وسنوات على إعمار لبنان وإعادة دوره العربي والعالمي وعلى ضمان النمو الاقتصادي لتحسين معيشة المواطنين، وها نحن نواجه تهميشا للبنان في علاقاته العربية والعالمية وتدهورا في النموّ الاقتصادي ومستوى معيشة كلّ مواطن. رفيق الحريري كان قوّة الاعتدال في وجه التطرّف والتعصّب والعنف وها نحن نواجه اليـوم جنـون التطرّف والتكفير والإرهـاب. إذا كان رفيق الحريري افتدى لبنان بحياته في مثل هذا اليوم، فالوفاء له يقتضي أن نحمي لبنان بأهداب العيون”. هناك بكلّ بساطة محاولة مكشوفة لعزل لبنان عـن محيطه العربي. بلغت هـذه الجهـود ذروتها مع تشكيل حكومة “حزب الله” في السنة 2011 والتي كان على رأسها نجيب ميقاتي. في عهد هذه الحكومة تحقّق حلم “حزب الله”، وهو حلم إيراني، بمنع العرب من المجيء إلى لبنان والاستثمار فيه، بعدما صار لعائلات معيّنة “جناح عسكري” لا تقوى الدولة اللبنانية على مواجهته في ظلّ الحماية التي يؤمنها الحزب لهذا “الجناح”.

كيف يمكن الاستمرار في مشروع رفيق الحريري، أي في المشروع اللبناني؟ قد يكون هذا السـؤال أهمّ ما طرحه الخطاب الذي حدّد بدقّة شديدة الحدود التي لا يمكن تجاوزها في الحوار مع “حزب الله”. هنا قال سعد الحريري “بكلّ وضوح، لن نعترف لحزب الله بأي حقوق تتقدّم على حق الدولة اللبنانية في قرارات السلم والحرب، وتجعل من لبنان ساحة أمنية وعسكرية يسخّرون من خلالها إمكانات الدولة وأرواح اللبنانيين لإنقاذ النظام السوري وحماية المصالح الإيرانية.

أمّـا ربط النزاع (مع حزب الله)، فهو دعوة صريحة وصادقة لمنع انفجار النزاع. المهم بالنسبة إلينا هو رفض الانجرار وراء الغرائز المذهبية، والامتناع عن تحكيم الشـارع في الخلافـات السياسية. وهي أمور كانت محلّ جهود مشكورة من الرئيس نبيه برّي والأستاذ وليد جنبلاط، ونعتقد أنّ الفوائد التي نشأت مـن هـذا الحوار حتّى الآن مناسبة للتأكيد على مواصلة هذا المسار”.

يرفض سعد الحريري في سياق الحوار مع “حزب الله” “احتقار” الحزب لجامعة الدول العربية و”اختزال العرب بنظام بشّار الأسد ومجموعة ميليشيات وتنظيمات وقبائل مسلّحة تعيش على الدعم الإيراني لتقوم مقام الدول في سوريا ولبنان والعراق واليمن. وأين هي مصلحة لبنان بالتدخل في شؤون البحرين، والإساءة إلى دولة لا تقابل لبنان واللبنانيين إلا بالمحبّة والكلمة الطيّبة وحسن الضيافة؟”

في كلّ ما تناوله الخطاب، هناك همّ واحد محوره حماية لبنان في هذه الظروف العصيبة التي تمرّ بها المنطقة. من المهمّ جدا وجود سياسي لبناني يحيط بالظروف الإقليمية ويلمّ بها. هذا السياسي اللبناني يعي جيّدا ما معنى الإصرار على نشر البؤس في لبنان، وربط جبهة الجنوب بجبهة الجولان، والإصرار على نقل النار السورية إلى الأرض اللبنانية إرضاء لإيران ومشروعها الإقليمي.

هذا السياسي اللبناني الذي اسمه سعد الدين رفيق الحريري يتجرّأ على القول “بالاختصار المفيد، نقول إنّ الحرب على الإرهاب مسؤولية وطنية تقع على عاتق اللبنانيين جميعا. وخلاف ذلك، سيصيب الحريق لبنان، مهما بذلنا من جهود لإطفاء الحرائق الصغيرة. النموذج العراقي بتفريخ ميليشيات وتسليح عشائر وطوائف وأحزاب وأفراد، لا ينفع في لبنان. وتكليف طائفة أو حزب مهمّات عسكرية هو تكليف بتسليم لبنـان إلى الفوضى المسلّحة والفرز الطائفي”. كلام كبير صدر عن سعد الحريري في الذكرى العاشرة لاغتيال والده ورفاقه. هذا الربط بين لبنان وما يجري في الإقليم دليل على عمق في استيعاب المعادلة الشرق أوسطية التي تسعى إيران إلى فرضها انطلاقا من العراق والزلزال الذي تعرّض له في العام 2003، أي قبل نحو اثنتي عشر سنة. ما زالت أصداء هذا الزلزال وتفاعلاته تتردّد إلى اليوم.

المشكلة أن لبنان ليس بعيدا عن ترددات الزلزال الذي مكّن المشروع الإيراني من التوسّع وصولا إلى اليمن. ما صدر عن سعد الحريري يصلح للبناء عليه، وتأكيد أنّه لا يزال هناك من يفكّر في لبنان أوّلا ومصلحة البلد.

ما يبعث على الأمل أنّه لا يزال هناك زعيم عربي مسلم يتجرأ على تضمين خطابه مقطعا ورد فيه الآتي: “أنا أتيت لأقول لكم: أنا لست معتدلا. أنا متطرّف للبنان، للدولة، للدستور. أنا متطرّف للمؤسسات، للشرعية، للجيش، لقوى الأمن الداخلي، أنا متطرّف للنموّ الاقتصادي، لفرص العمل، للحياة الكريمة، أنا متطرّف للعيش الواحد، للمناصفة، أنا متطرّف لبناء الدولة المدنية. نعم للدولة المدنية، دولة القانون التي يُحكم على كلّ مواطنيها بالقانون، وفقط بالقانون، لأنّ اختلافات الفقه والدين والمذهب والتفسير، لا يجب أن تنسحب على الدولة ولا على الحياة العامة”.

إنّه كلام كبير من مكان صغير اسمه لبنان، يؤكّد أن مشروع رفيق الحريري لم يمت، على الرغم من مرور عشر سنوات على اغتيال الرجل.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخطاب الشامل لسعد الحريري المتطرف الخطاب الشامل لسعد الحريري المتطرف



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon