تحريك سعودي للمياه الراكدة الروسية

تحريك سعودي للمياه الراكدة الروسية

تحريك سعودي للمياه الراكدة الروسية

 لبنان اليوم -

تحريك سعودي للمياه الراكدة الروسية

خيرالله خيرالله

روسيا تحتاج إلى تغيير في العمق في سياستها. ويمكن للعلاقة الجديدة مع السعودية أن توفر لها فرصة للخروج من أسر اللغة البالية التي اعتمدتها في التعاطي مع الأزمات الدولية.

تؤكد الزيارة التي قام بها لروسيا وليّ وليّ العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمّد بن سلمان وجود قيادة سعودية تتمتّع بحيوية كبيرة من جهة وحسّ بالمسؤولية، تجاه الذات أوّلا، من جهة أخرى. هناك نهج سعودي تقليدي استعاد زخمه في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز. يستند هذا الزخم إلى القدرة على قراءة التحوّلات الدولية ورفض الجمود. بكلام أوضح، تتحرّك القيادة الجديدة، التي على رأسها الملك سلمان، بقوّة في ظلّ ما يمكن وصفه بالسياسة التقليدية للمملكة، وهي سياسة قائمة على الديبلوماسية الهادئة.. إلّا في حال الدفاع عن النفس. في هذه الحال تخرج السعودية أنيابها، كما الحال في “عاصفة الحزم”. كشفت “عاصفة الحزم” أن لا مجال للوقوف موقف المتفرّج عندما يكون هناك تهديد لأمن المملكة، خصوصا من اليمن.

في وقت هناك تحرّك سعودي في كلّ الاتجاهات والصعد، كان لا بدّ من تحريك المياه الروسية الراكدة. كان ذلك دليلا على أن السعودية لاعب أساسي في الشرق الأوسط والخليج. كذلك، تبيّن أن المملكة تمارس سياسة خارجية خالية من العقد. في النهاية، كلّ ما يهمّ روسيا في المنطقة يهمّ المملكة. وكلّ ما يهمّ المملكة في الشرق الأوسط والخليج يهمّ روسيا، بدءا بأسعار النفط والغاز وصولا إلى سوريا، مرورا بإيران ولبنان والعراق والبحرين وليبيا واليمن.
    
    

لم يكن ممكنا ترك روسيا أسيرة سياسة لا علاقة لها بالمنطق. لا بدّ من القيام بمحاولة معها. ربّما كان هبوط أسعار النفط والغاز تنبيها لموسكو، وللرئيس فلاديمير بوتين شخصيا، بأن العالم مصالح متشابكة وأن روسيا ليست تلك القوة العظمى التي تستطيع التدمير فقط، بدل أن تكون مشاركة في البناء. ولذلك، يمكن إيلاء أهمّية خاصة للاتفاقات الستة التي وقعت خلال الزيارة، بما في ذلك اتفاق في مجال الطاقة، وللإعلان عن نية المملكة الحصول على ستة عشر مفاعلا نوويا، تستخدم للأغراض السلمية، يمكن أن يأتي معظمها من روسيا.

مهّدت زيارة محمّد بن سلمان لزيارة أخرى لروسيا سيقوم بها قريبا الملك سلمان، وذلك لتأكيد النيّة في فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. فروسيا لا تستطيع الادعاء أنّها تقاوم السياسة الأميركية عن طريق ممارسة دور بائع السلاح الخاضع للإملاءات الإيرانية. كذلك، لا يمكن لروسيا التقرّب من العرب عموما في ظل الدور السلبي الذي تمارسه في سوريا حيث تدعم نظاما أقلّويا في حرب مع شعبه. ولا يستطيع الرئيس بوتين الادعاء أنّه حريص على المسيحيين في الشرق الأوسط، بينما تعرقل إيران، مستخدمة أداتها اللبنانية المسمّاة “حزب الله”، انتخاب رئيس جديد للجمهورية في لبنان. رئيس الجمهورية اللبنانية هو رئيس الدولة المسيحي الوحيد في كلّ المنطقة الممتدة من موريتانيا إلى ما بعد أفغانستان..

تحتاج روسيا إلى تغيير في العمق في سياستها. يمكن للعلاقة الجديدة مع السعودية، التي أثبتت أنّها على استعداد للدفاع عن مصالحها، أن توفّر لها فرصة للخروج من أسر اللغة البالية التي اعتمدتها في التعاطي مع الأزمات الدولية، خصوصا في الشرق الأوسط والخليج. ما لا يمكن تجاهله أيضا أن موسكو في حاجة إلى التفكير منذ الآن في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة البلدان الخمسة زائد واحد، وهو اتفاق بين واشنطن وطهران في واقع الحال.

سيؤدي هذا الاتفاق الذي بدأت تظهر مفاعيله قبل توقيعه، مهما تأخّر ذلك، إلى تطبيع في العلاقات الأميركية ـ الإيرانية. عاجلا أم آجلا، سيتوجب على القيادة الروسية التساؤل عن مستقبل علاقتها بالقيادة الإيرانية في حال رفع العقوبات الدولية عن “الجمهورية الإسلامية”. ربّما سيكون السؤال الأوّل متعلقا بحصة روسيا من السوق الإيرانية الواعدة بعد رفع العقوبات الدولية. هل سيترك الأميركيون مكانا ما في هذه السوق للشركات الروسية؟

بدأت تظهر إشارات إلى إمكان حصول تغيير في السياسة الروسية لدى تصويت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في منتصف أبريل الماضي على القرار 2216 في شأن اليمن. لم تستخدم موسكو “الفيتو”. صدر القرار الذي كان يهمّ المملكة العربية السعودية، إلى حدّ كبير، تحت الفصل السابع. للمرّة الأولى، منذ فترة طويلة، تقدم روسيا على خطوة غير مرتبطة بالموقف الإيراني. على العكس من ذلك، كان رهان طهران على “الفيتو” الروسي، ذلك أنّها تعتبر الحوثيين في اليمن أبناءها الشرعيين وتعتقد أن ميليشيا “أنصار الله” في اليمن تجربة ناجحة أخرى، نظرا إلى أنّها منقولة حرفيا عن تجربة “حزب الله” في لبنان.

ستكتمل هذه الإشارات في شأن التغيير في السياسة الروسية من خلال طريقة التعاطي مع أزمات المنطقة. لا يمكن لروسيا أن تلعب دورا إيجابيا في الشرق الأوسط والخليج في غياب القدرة على اتخاذ موقف من النظام السوري وما يدور في سوريا. ليس في استطاعة موسكو التذرّع بأنها تخوض حربا على الإرهاب إذا لم تقتنع بأن التخلص من النظام السوري هو الطريق الأقصر للتخلّص من “داعش”.

بشّار الأسد و”داعش” وجهان لعملة واحدة. نما “داعش” في رعاية النظام السوري الذي أراد تخيير العالم بينه وبين الإرهاب. هذه لعبة لم يستطع النظام تسويقها ولن تستطيع روسيا تسويقها، حتّى لو تحدث بوتين عن مخاوف من تحوّل سوريا إلى ليبيا أخرى.

كذلك، فإن الميليشيات المذهبية المدعومة من إيران والتي تقاتل في سوريا والعراق وتمنع انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، تعتاش من ممارسات “داعش” وإخوانه وأخواته.

قامت السعودية بما يجب أن تقوم به تجاه روسيا. الكرة في ملعب الكرملين الذي يُفترض به أن يثبت أن لدى روسيا ما تقدّمه في خدمة الاستقرار في المنطقة بدل البقاء في أسر السياسة الإيرانية. نعم، إن روسيا مهتمة ببقاء سوريا مغلقة في وجه تصدير الغاز الخليجي إلى أوروبا عبر أنابيب تجتاز أراضيها. ولذلك، نراها مهتمة بشراء أيّ شركات تمتلك تراخيص للتنقيب عن الغاز في سوريا. هذا واقع لا يمكن تجاهله. لكنّ الواقع الآخر يتمثّل في أنّ الشرق الأوسط والخليج ليسا سوريا وليسا السياسة الإيرانية والمشروع التوسّعي الإيراني. هناك لاعبون جدد في المنطقة وهناك قوى بدأت تؤكد أن ليس في الإمكان تجاوزها. السعودية من بين هذه القوى التي أثبتت أنّ لديها مصالح خاصة بها مستعدة للدفاع عنها من جهة كما أنّها ليست أسيرة السياسة الأميركية ولا تخشى السياسة الإيرانية من جهة أخرى.

إنّها فرصة للكرملين كي يخرج من عقدة القوّة العظمى ذات اللغة الخشبية التي أودت بالاتحاد السوفياتي الذي لم يكتشف، إلّا متأخّرا جدا، أنّه ليس سوى نمر ومن ورق.. كما كان يقول ماو تسي تونغ في وصفه للإمبريالية.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تحريك سعودي للمياه الراكدة الروسية تحريك سعودي للمياه الراكدة الروسية



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon