تونس تنتصر لثقافة الحياة… عبر إرث بورقيبة

تونس تنتصر لثقافة الحياة… عبر إرث بورقيبة

تونس تنتصر لثقافة الحياة… عبر إرث بورقيبة

 لبنان اليوم -

تونس تنتصر لثقافة الحياة… عبر إرث بورقيبة

خيرالله خيرالله

تعتبر هزيمة الإخوان المسلمين ممثلين بـ”حركة النهضة” في الانتخابات التشريعية التونسية، هزيمة بكلّ المقاييس. تصدّى الشعب التونسي للمحاولات الهادفة إلى جرّه إلى التخلّف وأظهر أن إرث الحبيب بورقيبة ما زال حيّا يرزق. كلّ ما كان على التونسيين عمله هو التمسّك بهذا الإرث الحضاري الذي يعني أوّل ما يعني الانتماء إلى ثقافة الحياة ورفض العودة إلى خلف، خصوصا في مجال الانغلاق على الذات وتحويل المرأة إلى مجرّد مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة في أحسن تقدير.

انتصرت ثقافة الحياة على ثقافة الموت في تونس. كانت ثلاث سنوات كافية، بل أكثر من كافية، كي يدرك التونسيون بأكثريتهم، أنّ كفى تعني كفى وأن الانتخابات التشريعية فرصة لن تتكرر كي يضعوا حدّا لانهيار البلد على كلّ الصعد. فما شهدته السنوات الثلاث منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي كان تراجعا يوميا إلى خلف. تراجع اجتماعي واقتصادي وأمني خصوصا.

كشفت السنوات الثلاث أن “حركة النهضة” لا تمتلك مشروعا من أي نوع. تبيّن أنّ هدفها السلطة من أجل السلطة ولا شيء غير السلطة. هناك شبق لدى الإخوان المسلمين، أينما وجدوا، للسلطة. هذا الشبق جعلهم يخسرون كلّ معاركهم تقريبا. خسروا في مصر حيث استعجلوا الاستحواذ على رئاسة الجمهورية بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة قبل أن يقتلعهم الشعب من جذورهم. وخسروا في الأردن حيث واجههم الملك عبدالله الثاني معتمدا على نهج الإصلاحات وعلى صناديق الاقتراع في الوقت ذاته.

وخسروا في اليمن حيث استغلّوا “الربيع العربي” للتحريض على الرئيس علي عبدالله صالح، فإذا بهم ينتهون أداة لدى الحوثيين أو “أنصار الله” الذين طردوهم من المحافظات الشمالية في اليمن ومن صنعاء نفسها. وخسروا في ليبيا التي يخوض ما بقي من جيشها حربا أخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلد الذي تحوّل فيه الإخوان إلى ميليشيات تستكمل عملية تدمير مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية والنسيج الاجتماعي فيها.

يمكن إيراد اسماء بلدان أخرى عبث بها الإخوان، ولكن يظل مفيدا التركيز على تونس بصفة كونها مثلا يحتذى به على صمود شعب عرف كيف يكون وفيّا للمؤسسات والمبادئ التي زرعها الحبيب بورقيبة، خصوصا لجهة التمسّك برفع مستوى التعليم والعيش بشكل حضاري بعيدا عن أيّ تزمت.

لا بدّ أيضا من امتلاك ما يكفي من الشجاعة والاعتراف بعدد لا بأس به من الإيجابيات التي تحقّقت في عهد زين العابدين بن علي الذي عرف، على الرغم من قصر نظره السياسي والضعف الذي أظهره في التعامل مع أفراد عائلة زوجته، كيف يحافظ على المجتمع التونسي وكيف يزيد عدد المنتمين إلى الطبقة المتوسطة. حصل ذلك على الرغم من أنّه صحّر الحياة السياسية في تونس وجعلها تدور حوله وحول السيّدة الأولى ليلى الطرابلسي بن علي التي أصبحت، بعدما أنجبت له ولدا ذكرا، الرجل الأوّل في تونس.

ليست تونس التي انتصرت فقط. من انتصر كان “الربيع العربي” الحقيقي الذي يعني قبل أيّ شيء آخر، قدرة الشعب على تجاوز الصعاب وإسقاط الديكتاتوريات. أسقط التونسيون عبر صناديق الاقتراع الديكتاتورية التي سعت “حركة النهضة” إلى فرضها عليهم باسم التصدي للثقافة الغربية. هل تونس في صدام مع الثقافة الغربية؟ هل الإسلام في صدام مع الثقافات الأخرى كي يأتي من يريد فرض نظام جديد في مجتمع عريق باسم المحافظة على الدين؟

تونس متصالحة مع نفسها. لذلك كانت وفيّة للحبيب بورقيبة، كما لم تقع في عقدة نظام زين العابدين بن علي. المهمّ الآن أن تخرج من المستنقع الذي أغرقها فيه الإخوان المسلمون الذين سعوا في السنوات الثلاث الماضية إلى اختراق كلّ المؤسسات وكأنّ القطاع العام في حاجة إلى مزيد من الانتفاخ على حساب النموّ الاقتصادي الحقيقي.

تمسّك التونسيون بالدولة المدنية. لم تنطل عليهم أحابيل “حركة النهضة” التي سعت إلى الحكم عبر الواجهات. كان على رأس هذه الواجهات الليبرالي المنصف المرزوقي الذي أصبح، في غفلة من الزمن، رئيسا للجمهورية والذي آن أوان رحيله نظرا إلى أنّه جزء لا يتجزّأ من أدوات السلطة الإخوانية لا أكثر ولا أقلّ.

ثمة من يعتقد أنّ تمسّك التونسيين بالدولة المدنية لا يعني بالضرورة الوقوع في فخّ تفرّد الأحزاب العلمانية، على رأسها “نداء تونس″، بالسلطة أو بإقصاء الآخرين. لكنّ الواضح، من خلال تجارب الماضي القريب في بلدان عربية عدة، بينها مصر واليمن، أن ليس في الإمكان المجازفة في إشراك “النهضة” في تحمّل مسؤوليات معينة، لا لشيء سوى لأنّه في كلّ مرة وُجد من يأتمن جانب الإخوان المسلمين، كان الطعن في الظهر نصيبه.

صحيح أن المجتمع التونسي عرف كيف يقاوم، بفضل نسائه قبل رجاله وبفضل الحركة النقابية. لكنّ الصحيح أيضا أن المرحلة المقبلة في غنى عن المماحكات السياسية والمجازفات التي لا طائل منها.

هناك بكلّ بساطة ملفان يحتاجان إلى معالجات جذرية. الأوّل هو الملف الأمني والآخر الملفّ الاقتصادي. ففي المجال الأمني، تقع على الإخوان المسلمين مسؤولية ضخمة. تتمثّل هذه المسؤولية في رفضهم الدائم للمشاركة في التصدي للإرهاب، خصوصا أن كلّ الحركات المتطرفة ولدت من رحم هذا التنظيم.

وفي المجال الاقتصادي، لا يمكن ترك الإخوان يتفرّجون على التدهور الذي تسببوا به، بل كانوا في أساسه. على العكس من ذلك، لا مفرّ من التصدي لهم بدل إعطائهم مجالا لمزيد من العبث بالاقتصاد.

ستكون هناك قرارات صعبة وغير شعبية، من الضروري اتخاذها من أجل إعادة الحياة إلى الاقتصاد. مطلوب من الجميع المشاركة في هذه القرارات كي يسهل تمريرها. ولكن المطلوب في الوقت ذاته عدم إعطاء أي فرصة لـ”حركة النهضة” كي تمعن في تخريب الاقتصاد.

ما حصل في تونس كان انتصارا كبيرا في معركة مهمّة، بل مصيرية. كان اسم هذه المعركة المحافظة على الدولة المدنية التي لا مستقبل لتونس من دونها. هناك معارك أخرى في الأفق لا يمكن الاستهانة بها. هذه المعارك ستكشف “حركة النهضة” وحقيقة نياتها أكثر. ستكشف خصوصا هل ما يقوله زعيمها راشد الغنوشي عن تمسكه بالديموقراطية والانفتاح على الآخر صحيح، أم أنّ خطابه، بطبيعته المزدوجة، يخفي ما يخشاه كثيرون. ستكشف المعارك التي تبدو تونس مقبلة عليها هل “حركة النهضة” على استعداد للعب دور المعارضة التي تريد بالفعل المعارضة من أجل الإصلاح وتحقيق تقدّم، أم أن الهدف الحقيقي للحركة تدمير تونس على أهلها والتخريب من أجل التخريب… كما عادة الإخوان حيثما حلّوا.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تونس تنتصر لثقافة الحياة… عبر إرث بورقيبة تونس تنتصر لثقافة الحياة… عبر إرث بورقيبة



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon