عودة الدور الروسي إلى سوريا هل بات الطريق سالكاً، وفي الاتجاهين

عودة الدور الروسي إلى سوريا... هل بات الطريق سالكاً، وفي الاتجاهين؟

عودة الدور الروسي إلى سوريا... هل بات الطريق سالكاً، وفي الاتجاهين؟

 لبنان اليوم -

عودة الدور الروسي إلى سوريا هل بات الطريق سالكاً، وفي الاتجاهين

بقلم : عريب الرنتاوي

أحيت زيارة وزيري الخارجية والدفاع السوريين لموسكو، والحفاوة البالغة التي أحيطت بها لقاءاتهما مع نظيريهما الروسيين وزعيم الكرملين، تكهنات عديدة حول مستقبل الدور الروسي في سوريا، وما إن كانت موسكو مرشحة لاستعادة هذا الدور وبعثه مجدداً، وما هي السياقات والاصطفافات والوظائف التي يمكن أن تشكل ملامح هذا الدور ووظائفه وأولوياته، وما هي مواقف اللاعبين الكبار في سوريا من مسألة كهذه؟

دمشق لا تنطق ولا "تُسرّب" شيئاً، بخلاف موسكو وتل أبيب، حيث تتالت التسريبات التي تذهب في حدها الأدنى إلى تطبيع العلاقات واستئنافها، بعد مراجعة ما أبرم من اتفاقات زمن نظام "الأسدين"، لتصل في حدها الأقصى إلى "تلزيم" سوريا لروسيا من جديد وفقاً لتقديرات مراقبين، على اعتبار أنها "قوة كبح" للنفوذ التركي من جهة، وعامل طمأنينة لـ"إسرائيل" من جهة ثانية، وجهة دولية أقل اشتراطاً في علاقاتها الدولية، وبما يريح – ربما – النظام الجديد، الذي كلما يَمم وجهه شطر عاصمة دولية أو إقليمية، اصطدم بعاصفة من المطالب والشروط المسبقة.
في ظني، أن هذه التقديرات في حدّيها المتطرفين، الأقصى والأدنى، تنطوي على قدرٍ من التهوين والتهويل.... فالنظام الجديد في دمشق، لم يطرح يوماً، حتى وهو في ذروة الانتشاء بنصره المفاجئ، القطع والقطيعة مع موسكو، بل تحدث عن استئناف العلاقات بقواعد جديدة، ومن ضمن معادلات أكثر توازناً واتزاناً.... في حين تنطوي حكاية "التلزيم" على كثير من "الشطط"، وتشفُّ عن رؤية تبسيطية – اختزالية، لمنظومة العلاقات الإقليمية والدولية المحيطة بسوريا، والحاكمة لاتجاهات حركتها وتطورها.

من منظور النظام الجديد، فإن أولوية البقاء والاستمرار، تجعله منفتحاً على كل الخيارات والبدائل، بما فيها مدّ اليد لخصوم الأمس، حلفاء الأسد وداعميه، وهو كما قلنا سبق أن عبّر بصريح العبارة عن "أهمية استراتيجية" يوليها لعلاقاته مع موسكو، بعد تخليصها مما علق بها من شوائب الماضي، والنظام الجديد، شديد الحماسة للتخفف من كل عوالق الماضي وعوائقه، إن كان في ذلك، ما ييسر مهمته الصعبة في إدارة بلاد عانت ما عانت من خراب وحصار ودمار... الباب ليس مغلقاً تماماً أمام سيناريو توسيع الدور الروسي في سوريا، ولكن في هذا السياق، وفيه وحده دون سواه.

من وجهة النظر الإسرائيلية، سبق لرون دريمر، وزير الشؤون الاستراتيجية، وكاتم أسرار نتنياهو، أن خصص جزءاً مهماً من زيارتين قام بهما لموسكو وواشنطن، للبحث في "تجديد الثقة" بالقاعدتين الروسيتين، من منطلق أن الحفاظ على الوجود الروسي في سوريا، من شأنه كبح جماح إردوغان، وصدّ "أحلامه العثمانية"، والأهم، كونه أداة فعّالة لمنع قيام "قوس سنّي" يحل محل "الهلال الشيعي" الذي كانت دمشق، "واسطة عقده".

"إسرائيل" اختبرت بالنار، "صدق النوايا" الروسية حيالها في سوريا، وهي ما زالت تذكر بكثير من الامتنان، إحجام موسكو عن تزويد دمشق، بأنظمة دفاع جوية أكثر تطوراً، وهي ما زالت تعدد الفوائد التي حصدتها إثر التوصل إلى "تفاهم الجنتلمان" بين نتنياهو وبوتين حول "آلية منع الاشتباك" في الأجواء السورية (2015)، وهو "التفاهم" الذي حفظته روسيا واحترمته وتقيّدت بكامل مندرجاته.

"إسرائيل" من قبل، لم تمانع في قيام الجيش الروسي والقوات السورية "المحسوبة عليها، على مقربة من هضبة الجولان المحتلة، في القنيطرة ودرعا، بل فضلت هذا الدور واشترطته للامتناع عن إجراء توغلات برّية في عمق الأراضي السورية، وأنشأت لهذا الغرض "غرفة عمليات" متعددة الأطراف، لإدارة المشهد في محافظات سوريا الجنوبية الثلاث، قبل انهيار نظام الأسد، أما الذريعة المعلنة فكانت منع إيران و"القوات الرديفة" من الاقتراب من الحدود، وتحويل جنوب سوريا إلى "جنوب لبنان ثانٍ".

هذا السجل الحافل بالتعاون، وإدارة المصالح المتضاربة، بين موسكو وتل أبيب، يدفع المراقبين للاعتقاد، بأن سيناريو تطوير وتوسيع الدور الروسي في سوريا، يبدو خياراً غير سيئ من وجهة النظر الإسرائيلية، وليس ثمة "كرت أحمر" يمكن أن تشهره تل أبيب في وجه موسكو، إن رجحت كفّة هذا الاحتمال. تركيا من جهتها، وهي أحد ثلاثة لاعبين إقليميين كبار في سوريا، إلى جانب كلٍ من "إسرائيل" والسعودية، لا تفضل خياراً كهذا، بيد أنها لا تخشاه كثيراً، لا تفضّله لأنها تدرك أن أحد مراميه، هو تحجيم دورها في سوريا ما أمكن... ولا تخشاه، لأنها اكتسبت خبرة عميقة وواسعة في إدارة خلافاتها مع روسيا في سوريا وحولها، ونجحت حتى في ذروة "السطوة" الروسية في سوريا، في إدارة مصالحها وتوسيعها، وجعلت من مسار أستانا ومناطق "خفض التصعيد"، سياجاً لحماية مناطق عملياتها الثلاث، وتوفير ملاذات آمنة لـ"إمارة إدلب" التي ستحكم سوريا برمتها ذات يوم، فضلاً عن الفصائل المنضوية تحت مظلتها الأمنية والاستخبارية والسياسية.

الأمر الذي ستبقى أنقرة تحسب له ألف حساب دوماً، هو كيف ستتعامل موسكو مع "الكيانية الكردية"، وهم أمر يرقى إلى مستوى "التهديد الاستراتيجي" للأمن القومي التركي... روسيا في هذا الملف، لديها مواقف "مطاطية"، من الانفتاح الكبير على "قسد" والحركات الكردية، وعرض مشروع دستور "فيدرالي" لسوريا في بواكير مفاوضات أستانا، إلى إبداء الشك والريبة بكرد سوريا، بعد أن تبدّى لها، أنهم يلقون بالبيض كلّه في سلة الولايات المتحدة...بهذا المعنى، لا "مواقف نهائية" لروسيا حيال "المسألة الكردية، وهي باتت أميل لحلول تحفظ وحدة الأرض والشعب والدولة والسيادة السورية، بعيداً عن شغفٍ مستمد من الحقبة السوفياتية حول "تقرير المصير".اللاعب الإقليمي الثالث، السعودية، نيابة عن مجموعة من الدول العربية والخليجية، لن تجد صعوبة في تفهّم وابتلاع عودة روسيا للعب متزايد في الأزمة السورية، ما دام أنه يأتي منسجماً ومتماشياً مع هدف تثبيت دعائم الحكم الجديد، وما دام أنه سيخدم هدف الحد من "التوسعية التركية"، وما دام أنه قد يعمل على تخفيف حدة الاحتكاك بين سوريا و"إسرائيل" بصورة من الصور، وما دام أنه لن يكون "حصان طروادة" الذي يمكن أن يخبّئ في "بطنه" دوراً لإيران أو أي من حلفائها.

جميع هذه الدول العربية، التي يكاد الدور السعودي، يختزل أدوارها، باتت تربطها بالكرملين "عروة وثقى"، وهم سيتقاطرون إلى موسكو في أول قمة روسية – عربية من نوعها في نوفمبر المقبل، بمن فيهم الرئيس أحمد الشرع، كما أمل لافروف بعد لقائه الشيباني. تبقى العقدة الأكبر في طريق عودة متجددة للدور الروسي في سوريا، تتمثل في الموقف الأميركي على وجه الخصوص، وهنا على وجه التحديد، تدخل حسابات واعتبارات أكثر تعقيداً، ليست مرتبطة بالضرورة بالملف السوري الشائك، بل بالعلاقات الأميركية – الروسية الشائكة، ومن منظور كوني أساساً، وبشكل خاص على خلفية الانقسام حول أوكرانيا، فهل ستتعامل وواشنطن على قاعدة "فصل الملفات"، أم أنها ستفضل سلوك الصفقات والمقايضات الذي ميّز أداء رئيسها في ولايته الثانية بخاصة؟

طيلة سنيّ الأزمة السورية، لم تنظر الولايات المتحدة للملف السوري نظرة استراتيجية شاملة، ولم تحظ سوريا بمكانة مركزية في التفكير الاستراتيجي الأميركي، أعطت أولوية لأمن "إسرائيل" ومصالحها، ومن المؤكد أنها ستستمر في فعل ذلك، ولعبت بالورقة الكردية، تارة للضغط على تركيا وإردوغان، وأخرى لابتزاز موسكو وطهران ودمشق... في ظني أن لا شيء جوهرياً طرأ على المقاربة الأميركية بعد الثامن من ديسمبر، سوى أنها حاولت "توظيف خلفية النظام الجديد"، والبناء عليها، لضمان قطع الطريق على إيران وتجفيف منابع وشرايين حزب الله، والذهاب إلى صفقات أمنية – تطبيعية بين دمشق وتل أبيب.

مستقبل الدور الروسي في سوريا، سيتأثر كثيراً باتجاهات تطور العلاقات بين الكرملين والبيت الأبيض، وليس متخيلاً أن يذهب البلدان إلى قطيعة في أوكرانيا وعليها، وأن تمنح واشنطن لموسكو ضوءاً أخضر لتوسيع وتعميق الدور الروسي على ضفاف المتوسط... لكن إن انتهت المشاورات والمحادثات الجارية إلى "تفاهمات" من نوعٍ ما، فإن الطريق بين موسكو ودمشق، قد يصبح معبداً، وربما سالكاً في الاتجاهين.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة الدور الروسي إلى سوريا هل بات الطريق سالكاً، وفي الاتجاهين عودة الدور الروسي إلى سوريا هل بات الطريق سالكاً، وفي الاتجاهين



GMT 19:59 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عودوا إلى دياركم

GMT 19:58 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

عفونة العقل حسب إيلون ماسك

GMT 19:57 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

المفتاح الأساسي لإنهاء حرب السودان

GMT 19:56 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا تناشد ‏الهند وباكستان تجنب «الانفجار المفاجئ»

GMT 19:55 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجيير الهزيمة

GMT 19:53 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والخطر على الهوية الوطنية والسياسية

GMT 19:52 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

أميركا... «أطلس» يُحجّم ومونرو يُقدّم

GMT 19:51 2025 الخميس ,11 كانون الأول / ديسمبر

الهجرة إلى التاريخ في زمن الهزائم

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها

GMT 08:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الفحم للشعر وطريقة عمل قناع منه

GMT 00:39 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

نتائج مثيرة لما بحث عنه مستخدمو الإنترنت على "غوغل" في 2019

GMT 10:01 2022 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

أفكار في الديكور للجلسات الخارجّية الشتويّة

GMT 15:28 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج الحصان..ذكي وشعبي ويملك شخصية بعيدة تماما عن الصبر

GMT 18:44 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

إتيكيت وضع المكياج في الأماكن العامة

GMT 19:26 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

المصائب تتوالى على سان جيرمان أمام ليل
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon