جروح السلطان

جروح السلطان

جروح السلطان

 لبنان اليوم -

جروح السلطان

غسان شربل

ما جدوى مئات الغرف؟ والقاعات. والممرات. والشرفات. والحدائق. والثياب الباهرة للحراس. غداً يكتب صحافي حاقد أن القصر أكبر من ساكنه. وأن القصر لا يصنع السلطان. وأن الرجل الذي كان حلماً تحول عبئاً. على محازبيه ومواطنيه ومستشاريه. وأن عناد الرئيس لن ينجح في إخفاء النزيف المتدفق تحت ثيابه.

الصحافيون حاقدون. يحسدون أصحاب القرار. يكرهون أصحاب القامات. يتربصون بهم. يعتاشون من انتكاساتهم. ولا هم لهم غير العناوين المثيرة. غداً يكتبون. الشعب عاقب الرئيس. الناخبون صفعوا الرئيس. حلم السلطان يتبدد. لا يُبنى مستقبل الدول بأحقاد الصحافيين.

حين أبلغوه نتائج الانتخابات دهمه حزن غريب. حاول تعزية نفسه. هذه هي الديموقراطية. حصان غدار. هذه هي الشعوب. ذاكرة تنسى. راح يتمشى في الممر الطويل. خذل البريطانيون ونستون تشرشل. خذل الفرنسيون شارل ديغول. يتعب الشعب من القائد الاستثنائي لأنه يتحداه ويطالبه بالخروج من حرير الخنوع والكسل.

حين أبلغوه النتائج سمع رنين ضحكات قريبة وبعيدة. سياسيون معارضون. وجنرالات متقاعدون. كأنه سمع أتاتورك يضحك في قبره. وفتح الله غولن في منفاه الذهبي. كأنه سمع ضحكة عبدالفتاح السيسي. وبشار الأسد. استوقفه اسم الرئيس السوري. كان يسميه «صديقي بشار» في شهر العسل التركي - السوري. في السنوات الأخيرة صار رحيل بشار همه وهاجسه. انتابته فكرة غريبة. هل يرغمه الأتراك على مغادرة القصر قبل مغادرة أعدائه قصورهم؟ سمع أيضاً ضحكات زعماء استفزهم أو تشاجر معهم حول الإبادة الأرمنية وملفات أخرى.

نكران الجميل عادة أصيلة لدى الشعوب. لم يغفر لي ناخبون أنني قلمت أظافر الجنرالات وأعدتهم إلى عتمة الثكن. عاقبني آخرون لأنني منعت القضاة من وراثة دور الجنرالات. عارضني فريق ثالث لأنني لم استسلم لمشيئة الأكراد وأغامر بوحدة البلاد. وبرر فريق رابع موقفه بالخوف من النظام الرئاسي والميول الديكتاتورية وتقليم أظافر القيم العلمانية. تناسى كل هؤلاء ما فعله حزب العدالة والتنمية للاقتصاد التركي. لولا تلك المعجزة الاقتصادية لكانت تركيا اليوم تتسول وتجول مكسورة الإرادة.

كان من واجب الناخبين أن يمحضوني تفويضهم الكامل. أبقيت تركيا هادئة فيما الزلازل تتلاطم على حدودها. لم ينظروا إلى الجحيم المشتعل في الجوار. لم تتعرض مدينة تركية لما تعرضت له الموصل. لم تتعرض مدينة تركية لما تعرضت له حلب. لم يتمزق الجيش التركي ويسارع إلى الاحتماء بـ «الحشد الشعبي» أو «ميليشيات الممانعة». شاخت خرائط جيراننا وجددنا شباب خريطتنا. بغداد تنام مع الخوف. دمشق تنام مع المجهول. طهران متوترة ومشتبكة مع الأكثرية. وإسطنبول تختنق بعجقة السياح. صحيح أن سياستنا اصطدمت بصخور المنطقة هنا وهناك لكننا منعنا العاصفة من اجتياح الأراضي التركية. لعبنا على ملاعب الآخرين ومنعناهم من التسلل إلى ملاعبنا.

يخرج إلى الشرفة. ارتكب الأتراك غلطة كبرى. أحدثوا ثقباً بسيطاً في السفينة التي كانت تحميهم من الأنواء. إنها ليست قصة أردوغان وأحمد داود أوغلو. إنها قصة منطقة تنحدر مسرعة إلى هاوية التفكك. قصة الحدود الجديدة بين الفرس والأتراك والعرب والأكراد. بين السنّة والشيعة والقوميات والمذاهب. وفي زمن الانعطافات تحتاج الدولة إلى رئيس واسع التفويض والصلاحيات.

يحيرني الشامتون. ينشغلون بالشجرة وينسون الغابة. بدل الشماتة عليهم أن يتعلموا ويتدربوا. يستخدم الأتراك صناديق الاقتراع لمكافأة الحاكم أو معاقبته. تركيا دولة مؤسسات. ماذا يجري في سورية والعراق واليمن ولبنان؟ مجازفات وميليشيات وخرائط أقل. أنا لن أستسلم. وليس من عادتي أن أفعل. أنا ملاكم بطبعي مذ كنت شاباً في شوارع إسطنبول. إصابة الملاكم بجرح لا تعني خروجه من الملعب. ستندلع جدالات وأزمات. حروب صلاحيات وحقوق أكراد. شيء من عدم الاستقرار. وسيخاف التجار والمستثمرون. وفي النهاية سنحتكم مجدداً إلى صناديق الاقتراع. وسيتراجع الأتراك عما اقترفوه.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جروح السلطان جروح السلطان



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:05 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 11:59 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

يتحدث هذا اليوم عن مغازلة في محيط عملك

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 14:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:04 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 04:58 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 19:17 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

التيشيرت الأبيض يساعدك على تجديد إطلالاتك
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon