النمل الأبيض

النمل الأبيض

النمل الأبيض

 لبنان اليوم -

النمل الأبيض

غسان شربل

أنا العربي الجديد. أقسم أنني تغيرت. تنازلت وتعلمت. لا أشبه أبداً ذلك العربي السابق. المغرور والمتطلب والمتعجرف. العربي الذي كان يصدّق الأكاذيب ويتعاطى الأوهام. لم أعد أتحدث مطلقاً عن حق هذه الأمة في مكان لائق تحت الشمس. لم أعد أحلم لا من قريب ولا من بعيد بالوحدة العربية. لم أعد أطالب بأن يكون للعرب دور رائد في الإقليم. علمتني التجارب أن كل هذا الكلام كان كلاماً ومكلفاً.

أنا العربي الجديد. لا أتحدث مطلقاً عن حقوق المواطن. وحقه في الشراكة. والرقابة. ولا عن حقوق الإنسان. واحترام الدستور. والمواثيق الدولية. والحريات الأساسية. ومعاملة السجناء. والقضاء المستقل. والفصل بين السلطات. ومكافحة الفاسدين.

أنا لا أطالب أبداً أن يقوم الجيش الوطني بشطب العدو من الخريطة كما وعدنا. ولا أن يهدر كل يوم ليذكرنا بأنه يذود عن الحياض. وأن يصمّ آذاننا بالأناشيد الوطنية التي تمتدح القوات المسلحة والقائد الملهم. أنا مواطن قنوع وخنوع لا أريد من الجيش أكثر من أن ينساني. أي أن لا يسكب حممه على أجساد مواطنيه وأن لا يحول أحياءهم مستودعات لعظام أبنائهم.

أنا العربي الجديد. لا أطالب بتعليم يستحق التسمية. ولا بجامعة عصرية. ولا بخطة تنمية. ولا بفرص عمل. أطالب فقط بقطرة ماء كي لا أموت من العطش. وقطرة كهرباء كي لا أموت من الظلم والظلام. وكسرة خبز كي لا أتوارى من الجوع. أطالب فقط بهدنة. كي أحصي كم بقي من أطفالي. كي أرفع ركام ما كنت أسميه بيتي. كي أعثر على قبر في ما كنت أزعم أنه وطني.

ما هذا الانحدار. ما هذا الانتحار.

كان على رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي أن يخاطب مواطنيه في ذكرى الاستقلال. بدا الرجل محرجاً. صحيح أن بلاده لا تتعرض لتهديد وجودي. وخريطتها ليست مهددة بالتآكل. وجيشها ليس غارقاً في زحمة المليشيات. و»داعش» لا يتمدد على جزء من أراضيها. والحرب الأهلية لا تلتهم مدنها وقراها. لكن الصحيح أيضاً هو أن مواطنيه يريدون نتائج ملموسة. يريدون منه أن ينفذ ما وعد به قبل عام لجهة مكافحة الفساد.

لم توجّه إلى حكومة مودي اتهامات باختلاس المال العام. لكن اتهامات طاولت بعض مساعديه وتحدثت عن فوائد غير شرعية حققوها بفعل مناصبهم. جدد مودي تأكيده أن «الأمة ستتخلص من الفساد... وعلينا أن نبدأ من القمة». وزاد أن «الفساد يشبه النمل الأبيض ينتشر ببطء ويصل إلى أي مكان ولكن يمكن القضاء عليه بواسطة حقنة تعطى في الوقت المناسب».

حدّد مودي مهلة ألف يوم لمد شبكة الكهرباء إلى كل القرى وقال: «بعد سنوات من الاستقلال لا تزال 18500 قرية بلا كهرباء». وجدد رئيس الوزراء عزمه على مكافحة الفقر بلا هوادة محذراً في الوقت نفسه من النتائج الكارثية لـ «سم التعصب».

أنا العربي الجديد. أشعر بحسد فظيع وقاتل. أعرف أن أمواج النمل الأبيض كانت أشد فتكاً في بلداننا من أمواج الجراد. يكفي الاستماع إلى ما يقوله العراقيون أنفسهم. يتحدثون عن هدر تريليون دولار. يتحدثون عن البلايين التي ضاعت في مرحلة ما بعد صدام حسين. يكفي النظر إلى ما يجري في ليبيا. وفي سورية. وفي لبنان حيث يخطئ من يسيء تقدير دور النمل الأبيض.

أنا العربي الجديد أحسد الهندي على أوضاعه. أحسده على رئيس وزرائه وإن كان متهماً بالتعصب. أنا العربي الجديد وقعت ضحية النمل الأبيض والأسود معاً. النمل الأسود الحامل سمّ التعصب وكهوف الماضي. أكل النمل الخريطة والمؤسسات. أكل الخبز وسرق الكهرباء. أكل الأطفال والزرع.

ما هذا الانحدار. ما هذا الانتحار.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النمل الأبيض النمل الأبيض



GMT 17:17 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ميلاد مجيد محاصر بالتطرف

GMT 17:16 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكومة العالم

GMT 17:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هل انتهى السلام وحان عصر الحرب؟!

GMT 17:15 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟

GMT 17:13 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مقتل الديموغرافيا

GMT 17:12 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مبدأ أثير لدى ساكن البيت الأبيض

GMT 17:11 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ماذا تبقى من ذكرى الاستقلال في ليبيا؟

GMT 17:10 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

الظاهرة الأصولية وحالة «التأقلم الماكر»

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon