دولة الفساد والإفساد

دولة الفساد والإفساد!

دولة الفساد والإفساد!

 لبنان اليوم -

دولة الفساد والإفساد

طلال سلمان

كشفت الحملة الإعلامية الجديدة والشرسة على مفسدي سلامة الغذاء، والمتاجرين بآلام الناس عبر الاستشفاء والدواء، أن اللبنانيين يعيشون بلا دولة، أو أن «الدولة» تعيش من دونهم وخارجهم.
فإفساد الغذاء ليس إلا نتيجة مباشرة للفساد المتمكّن في صلب النظام والذي يشكّل بعض ركائز دوامه واستعصائه على محاولات الإصلاح.
لقد تكشّف، مرة أخرى لن تكون الأخيرة، فساد الحياة السياسية وليس عبثيتها فحسب، وكذلك اندثار مؤسسات الرقابة والمحاسبة، وليس مجرد غيابها، فهي حاضرة في الغياب وغائبة في الحضور، لأن من يتحكم في تعيينات مجالسها هو هو ـ بشخصه أم بجماعته من داعميه ـ من يفترض أن يخضع للمساءلة ثم للحساب... ونادرة في التاريخ حوادث من ساءل نفسه بنزاهة ثم عاقبها بصرامة إحقاقاً للحق ونصرة للعدالة!
فالطبقة السياسية تعرف تماماً أن البلاد تعوم فوق بحر من الفساد، يشمل جوانب الحياة جميعاً، والمواقع جميعاً من قمة السلطة إلى أذرعها وهيئاتها التشريعية والتنفيذية والأمنية.
بل إن هذه الطبقة السياسية تعيش بفضل هذا الفساد الذي كثيراً ما تحولت محاربته إلى شعار لحملاتها الانتخابية، أو للتقدم نحو مواقع القيادة في التصدي للفساد والإصلاح الجذري وتطهير الإدارة وتصحيح الخلل في التمثيل الشعبي.. فضلاً عن التعهد بالقضاء على الطائفية واجتثاث المذهبية، وصولاً إلى تمكين المرأة من حضانة أطفالها ومن السفر من دون إذن الزوج وتشريع الزواج المدني إلخ..
إن نظاماً تستطيع «دولته» أن تعيش شهوراً وربما سنوات بلا رئيس للجمهورية، لا يمكن أن يكون قابلاً للإصلاح بالمواعظ والخطب الحماسية والتصريحات المؤكدة عجز النواب، حراس الديموقراطية، عن انتخاب رئيس للدولة إلا إذا جاءت البشائر عن اتفاق «الدول» بعيدها والقريب على شخص برتبة رئيس لإدارة الأزمة في لبنان حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
إن النظام فاسد مفسد بطبيعته، وهو إقطاعي ـ طائفي بل مذهبي بثياب جمهورية، وهو معاد للشعب بطبيعته: لقد أقامته «الدول»، ولم يكن من حق من اختير ليكون ضمن هذا «الشعب» أن يعترض.. بل إن «الدول» نفسها قد اختارت «الشعب» بنسب طوائفية محددة، وعلى قواعد جهوية محددة، بحيث يبقى «النظام» وبالتالي «دولته» أقوى من مجموعها، هذا إذا ما تجاوز «المختارون» الاستحالة فتلاقوا ـ في موعد قدري ـ على شؤون تتعلق بمصيرهم!
من هنا فلن تتأخر الجهود الخيّرة لإعادة تقسيم هذا «الشعب» إذا ما وحّده حدث خطير، أو جمعت «عائلاته الروحية» مناسبة جليلة تتصاغر أمامها مسألة سلامة «المواطنين» وتأمين الدواء والاستشفاء والطرق التي لا تقطعها زخة مطر والجسور التي لا يهدمها الرعد،
ولا مرة كان المجلس النيابي ممثلاً فعلياً لإرادة هذا «الشعب» الممنوع من أن يكون شعباً، بقرار موحد حول شؤون مصيره. لقد تبدل النظام الانتخابي أكثر من مرة، ولكن دائماً على طريقة التقدم إلى الخلف.. فبعد حروب أهلية/ عربية/ دولية وضع لها التفاهم السياسي «خاتمة طيبة» ممثلة في اتفاق الطائف، تم خرق هذا الاتفاق وتجاوزه إلى ما هو نقيضه مما كان قبله... فإذا جاءت معركة الرئاسة تنبهوا فجأة إلى الاتفاق التاريخي الذي صار في متحف الذاكرة إلى جانب مجلس الشيوخ العتيد، فاستذكروه كسلّم لوصولهم.
أما الحكومة فيكفي التذكير بأن أي قرار لها وفيها ومنها يحتاج إلى أربعة وعشرين توقيعاً ظاهراً، كثير منها يستبطن إرادة دول أجنبية، في حين يستبطن البعض مصالح متبادلة بين «أهل الدولة» رؤساء ووزراء ومصارف وهيئات اقتصادية ورجال أعمال وممثلين لأصحاب القرار في الدنيا من حولنا كما في البعيد.
... مع ذلك تجد من يجادلك فيضحكك بسؤال محدد: ألسنا أفضل نظام لأقوى دولة في المنطقة؟! أنظر حولك قبل أن تجيبني عشوائياً! في أسوأ تقدير فإن نظامنا يقتلنا بالمفرق بينما الأنظمة الأخرى تقتل البلاد بشعبها جميعاً في حاضره ومستقبله!
.. ونسي السائل أن في الدنيا أنظمة لا تقتل شعوبها، بل إن هذه الشعوب قادرة على إسقاط الحكم الذي يعجز عن الوفاء بالتزاماته عبر تلك الصندوقة السحرية للفعل العجائبي الذي اسمه الانتخاب.
ولسوف يطول انتظارنا لقيام «دولة»، أما إصلاح النظام أو إسقاطه فمن الأحلام...

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دولة الفساد والإفساد دولة الفساد والإفساد



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:05 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 11:59 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

يتحدث هذا اليوم عن مغازلة في محيط عملك

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 14:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:04 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 04:58 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 19:17 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

التيشيرت الأبيض يساعدك على تجديد إطلالاتك
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon