نوارة أينعت وذوت

نوارة أينعت وذوت

نوارة أينعت وذوت

 لبنان اليوم -

نوارة أينعت وذوت

حسن البطل
بقلم - حسن البطل

هكذا يكفيني من حياته: صفحة تاريخه وصفحة وجهه.. والصفحتان ناصعتان.
هذا يكفيني من موته: نوّارة في تابوت. سأقول: نوارة بيضاء تشبه شعره الحليبي، وتابوت بازلتي، لأن لون تابوته كان من لون البازلت.
.. او سأقول: نوارة تشبه زهرة الفليفلة في قوارة على شرفة بيتي. الوردة تتبرعم، تتفتح ثم تذبل. النوارة تتبرعم، تتفتح .. ثم تحبل ثمرة صغيرة.
لماذا ليس لوجه سليمان النجاب نوارة البندورة، مثلاً، أو نوارة الباذنجان والكوسا؟ لأن ضحكته بيضاء مثل نوارة الفليفلة، ولأن ضحكة نوارات الباذنجان والكوسا والبندورة ملونة .. ووقحة بعض الشيء.
لماذا لتابوت سليمان النجاب لون البازلت: أسمر داكن، أقل درجة واحدة او درجتين من السواد؟
فجأة، رأيت سمرة سحنة وجهه الداكنة (تابوته)، وشعره الأبيض الناصع (ضحكته) في مشهد شتوي جولاني. لم أر الجولان مكللاً بالبياض الثلجي منذ النكسة الحزيرانية. بالضبط، على حافات وادي الرقاد (أو ان اسم الوادي تحوّر فيَّ قليلاً على لساني):
"طيور صنين تشتاق إليك / وعندما يغرق الوطن في السواد / ستكون أنت الاشارة والطريق".
هكذا رثت شاعرة رفيقها الفنان هاني جوهرية، الذي سقط في عينطورة، على جبال صنين، إبان الحرب الأهلية اللبنانية.
البلاد غرقت في السواد منذ النكبة، أو غرق جيل النكبة في السواد منذ النكسة. غير أن رجلاً، مثل سليمان النجاب، عرف النكبة والنكسة، الحرب الأهلية اللبنانية والانتفاضة الفلسطينية، الخروج من لبنان .. والدخول الى الوطن.
رجل من قرية جيبيا لم يغرق، يوماً، في السواد. أغرق حديقة بيته بالورود من كل لون وصنف.
.. ولم أزر حديقة داره. أخلفت دعوتين حاسمتين لسببين طارئين، واعتذرت عن عشرات الدعوات بعد كل مصافحة .. حارة دائماً؛ بعد لقاء .. عابر دائماً.
لعلني، في قرارتي، خفت إن لبيتُ دعوته حديثاً يجرنا الى الرفاق من "فصيل الأنصار". كانوا رفاقه او تلامذته.. وكانوا أصدقائي في السمر الطويل، او زملائي في العمل الطويل .. وكان يرد ذكرُه قطعاً: الرفيق سليمان النجاب.
.. وكانوا مقاتلين، وكانوا قتلى .. وكانوا شباباً يموتون شباباً، وكانوا مثل رضيع عملاق نقمطهم في توابيت خشبية، وكانت زينة موتهم واحدة: علماً صريحاً، علماً رباعي الألوان.
صار الموتى يسافرون، في زمن الانتفاضة، على محفات مكشوفة. يقولون: هكذا العرس في الحياة صاخب؛ هكذا الموت في النضال صاخب.
صاحب الضحكة البيضاء (جعفر صدقة يقول: صاحب القلب الأبيض). صاحب الشعر الأبيض، والوجه البازلتي تقريباً.. سافر في تابوت عابس؛ عابس لأن لون التابوت عابس.
نوارة هشة أينعت وذوت، ذوت سريعاً نسبياً، في تابوت يخرج من مقر حزبه. هكذا، تقاليد نقل الموتى في بلد بالطائرات الى بلد آخر.
علَم صريح واحد رباعي الألوان، لا يكشف الا القليل من تابوت بلون البازلت. الوقت يسمح ومنصب الميت يسمح .. بالعودة قليلاً الى تقاليد التشييع الصامت: لا هتاف. لا نحيب .. ولا رصاص. بل تمشي الجنازة بخطوات جنائزية، والمشيعون يمشون بخطوات جنائزية. دون صوت تسقط نوارة الخضراوات، دون صوت تنمو ثمرة الفليفلة، البندورة، الخيار .. والكوسا.
في زمن النكبة كان في سن أولاد الانتفاضة، وفي زمن النكسة كان في شرخ الشباب، وفي زمن العودة .. كان في سن الأطفال الصغار. كلما كبر الرجل الثوري عاد الى طفولة الروح.
وكان يكفيني أنه لا يحاسبني على ما اقترف قلمي من شطحات، وكان يكفيني منه أن صفحة تاريخه هي صفحة التحالفات الوطنية.. وأن ضحكته تملأ صفحة وجهه، وأن الشيوعيين الفلسطينيين كانوا رواد الاستقلالية الوطنية، والكيانية الوطنية.. وكانوا وما زالوا يضعون البرنامج الواقعي جداً، قاعدة صلبة من أجل الحلم العريض جداً. خلافاتهم رفاقية .. وتحالفاتهم رفاقية .. وانشقاقاتهم، ايضاً، رفاقية.
كان الرفاق خير الأصدقاء، فلا تجد في لحمة الرفيق والصديق مكاناً لتزرع وردة "المواطن".
.. كان سليمان النجاب رفيقاً قبلي، ومات مواطناً قبلي. شابَ شعرُه قبلي .. ربما ليليق شعرُه الأبيض بضحكته البيضاء جداً.
نعرف ان الغياب غروب، وان بعض الغياب كسوف.. وأن الليل الطويل في آخره .. وان سليمان النجاب كان "نوارة" عادت الى تراب الأرض، تراب أرض - أرض بتابوت عابس جداً .. وانه مات كهلاً، وكان طفلاً.
حسن البطل
   

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نوارة أينعت وذوت نوارة أينعت وذوت



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 20:40 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

الفلفل الحار وتأثيره على صحة البروستاتا
 لبنان اليوم - الفلفل الحار وتأثيره على صحة البروستاتا

GMT 20:31 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين
 لبنان اليوم - تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين

GMT 09:53 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات تمنح منزلك الدفء وتجعله أكثر راحة

GMT 21:19 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة الطليعة" تعاقب اللاعبين بعد تدهور النتائج"

GMT 02:55 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أندية الأردن في أزمة كبيرة بسبب ملاعب التدريب

GMT 07:25 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

توقعات برج العقرب لعام 2024 من ماغي فرح

GMT 17:55 2023 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الباركيه في غرف النوم يمنحها الدفء والجاذبية

GMT 17:06 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

جنيفر ميتكالف ترتدي جاكت دون ملابس داخليه

GMT 15:16 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

قرداحي استقبل السفير التونسي وجرى البحث في الاوضاع العامة

GMT 17:29 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تصميمات Lanvin من وحي الخيال

GMT 11:27 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

جاستين بيبر يستقبل عام 2021 بتحوله لـ"ملاكم" في كليب "Anyone"

GMT 05:03 2016 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

"Roberto Cavalli" تطرح مجموعة من المجوهرات لعام 2017

GMT 06:30 2013 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

العمل مع "الزعيم" شرف كبير وأنا لست إعلاميًا

GMT 14:20 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

اجتماع لوزراء الصحة الأفارقة حول لقاح كوفيد ـ 19

GMT 14:47 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

النفط يبلغ أعلى مستوى منذ شهور وخام برنت 53.17 دولار للبرميل

GMT 03:53 2015 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

جزيرة فوليجاندروس أجمل مكان لمشاهدة غروب الشمس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon