انطباعان عابران

انطباعان عابران

انطباعان عابران

 لبنان اليوم -

انطباعان عابران

حسن البطل
بالعين تقرأ؛ وبالأنامل تتقرّى. نقرتُ نقرتين بدن مجنزرة الجند ـ رمقني جندي بنظرة شبه فارغة شبه ممتلئة.. كما يبدو بدن مجنزرته إذا قرأته بالعين. .. فإذا نقرته بأناملك (بأظافر أصابعك) لن تهتز عظام الجنرال يسرائيل طال في قبره. لماذا الجنرال طال؟ لأنه "السيد دبابة " في الجيش الاسرائيلي، أو لأنه مخترع دبابة القتال الرئيسية، المسماة "مركفاه" أو لأنه الذي طوّر تدريع السلاح المدرع الإسرائيلي، بعد حرب أكتوبر 73. منذ تلك الحرب، صارت دبابات الجيش الإسرائيلي هي الأقوى تدريعاً بين دبابات جيوش العالم، لأنها ترتدي "سوتير" قطنياً متعدد الطبقات الرقيقة، تنوب عن طبقتين سميكتين من الصوف أو الجلد، وتصون جسم مرتديها من ناب الزمهرير القارس. .. لكنها، منذ تلك الحرب، صارت تبدو هشة بالعين المجردة، أو لعبة أطفال مصنوعة من قضبان معدنية خفيفة، كثيرة الثقوب.. ليمعن عقل الطفل في فن تركيب الأشكال، مستفيداً من ثقوب لا حصر لها، كالتي تبرقش تلك الرفوف المعدنية في المكاتب.. أو مثل مصفاة "المفتول". معدن خفيف، كثير الثقوب، تشدّه إلى عظام بدن الدبابة، وصلات معدنية ذات رؤوس من الكاوتشوك.. تاركاً فراغاً من عدة سنتيمترات. هندسة مواد، مهمتها أن تمتص طبقات الحماية انفجار القذائف المضادة للدروع م/د، وبخاصة التي تستهدف منها جوانب المدرعة. كنت قد قرأت، بعد حرب أكتوبر، كيف غدت المدرعات الإسرائيلية الأكثر تدريعاً في العالم.. لكن، أن تقرأ عن قرب؛ وأن تتقرى ـ بنقرتين من ظفر أصبعك مسألة تتعدى الفضول. شبك معدني على نوافذ "جيبات" الجنود؟ هذا مفهوم، لتغدو "أغنية الحجر" حشرجة، وأما هذه الدروع فوق الدروع، فقد أعدوها لأغنية الـ "آر. بي. جي" المحتجبة؟!. لماذا كنا أكثر تسليحاً، عندما كانت مدرعاتهم تقاتلنا وراء البعد المجدي لقذيفة آر. بي. جي، وصرنا عراة من السلاح تقريباً.. عندما تستطيع أن تنقر بدن المجنزرة بأصابعك، فينظر إليك الجندي بنظرة نصف فارغة ـ نصف ممتلئة، كأنك الأبله؟!. مثل بارجة برية تبدو مدرعاتهم ودباباتهم، ومثل حصن حديدي متحرك تنتقل من مكان إلى مكان: مدفع ثقيل. رشاش ثقيل، رشاش خفيف، ودروع فوق دروع. مثل ديناصور حديدي في أجمة من أشجار الغابة، تتقصف فروعها وجذوعها وأفنانها، إذا ركض الديناصور وراء فريسته. يحمل المارة أنفسهم على أقدامهم، ويحملون قلوبهم في أبدانهم.. ويحملون حاجياتهم في أيديهم (أو على رؤوسهن)، ويمرون بسلام كأنهم قطيع نعام تجتاز هذا الديناصور الحديدي من تحت أنفه. .. نقرتان على بدن المجنزرة.. وتسمع رنيناً مختلفاً لقوانين الصراع الفاضية بين دفتي كتاب تجده على أرفف مكتبات العواصم العربية. دشم حصينة على قارعة الطريق، جيب محصن من حجارة الأولاد، مجنزرة محصنة.. ودبابة محصنة جداً.. ونحن عراة، وقد ننقر بدن المجنزرة من باب الفضول.. أو ينفجر لحمنا غيظاً في شوارعهم. بالونات حرارية في القصة الطفولية أن الطفل الشجاع صاح "الملك عار. الملك عار". هذا الشعور المربك بالانكشاف التام لطمني مع الريح الباردة، في اليوم الأكثر برودة هذا العام، صبيحة الليلة الأكثر مطراً، والسماء الأكثر تلبداً بالغيوم. هل يشعر فأر الحقول بأن الباز، الصقر، النسر، العقاب يوشك أن يخطفه من الأرض.. ومن الحياة؟. أو هل يشعر المشاهد لأفلام وثائقية عن صراع البقاء في الحياة البرية، بأنه أكثر من مجرد مشاهد للنسر الصياد ولفريسته؟. جاءت طائرتا أباتشي من سماء بيرزيت توقفتا في سماء سردا، أطلقت الأولى صاروخاً ثم رسمت دائرة، أطلقت الثانية صاروخاً ثم رسمت دائرة. كررت الطائرتان تكتيك القصف مرة أخرى.. ثم انسحبتا وهما تطلقان بالونات حرارية. لماذا بالونات حرارية ؟ لأن هذه هي تعليمات القصف الجوي منذ حرب أكتوبر 1973. بين حرب حزيران 1967 وحرب اكتوبر 1973، قرأ الفدائيون في قواعدهم وتساجلوا في خلاصات الهيثم الأيوبي (عقيد سوري متقاعد) عن ثنائي الدبابة/ الطائرة. في حرب 1982 كانت الرؤوس متخمة بالقراءات، وكانت القذائف المضادة تنفجر بعد أن تنفجر البالونات الحرارية، وكان الإعلاميون يشجبون "التعتيم الاعلامي" العربي والعالمي. أي انكشاف اعلامي في هذه الحرب السافرة جداً ؟ سارع صاحب الدكان الى جهاز التلفاز لا الى الراديو. دقائق فقط، وكانت شاشتا القناتين الاسرائيليتين الأولى والثانية مرآة لشاشة قناة فلسطين الأرضية والفضائية. ما هو لزوم البالونات الحرارية يا صاحبي؟ لأن هذه هي تكتيكات القصف الجوي بعد حرب أكتوبر. ما لزوم كل هذه الدروع فوق الدروع؟ لأنها تكتيكات القتال بعد حرب أكتوبر. قال الفدائيون وقتها: "هذه حرب تحريك لا حرب تحرير". في هذه الحرب تنقر بدن مدرعاتهم بأصابعك، أو تتحسر لخراب بيوت شعبك على شاشة التلفاز الفلسطيني.. في "بث مباشر". مباشر جداً، مثل الفرق بين أن تقرأ الحرب بعينيك.. أو تتقّرى عدة الحرب بأصابعك!. حسن البطل 6-12-2001 نقلا  عن جريدة الايام  
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انطباعان عابران انطباعان عابران



GMT 18:40 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

أسقط الركن الثالث

GMT 18:39 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

بين القوانين والإعلانات والأخلاق

GMT 18:38 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

عام «سَوْقَنَة» القضايا

GMT 18:37 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

البراغماتية الإيرانية في انتظار الاختبار الصعب

GMT 18:18 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

2026... عام التوضيحات؟

GMT 18:14 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

العراق ما بين تاريخين

GMT 18:13 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

يحمل اسم زويل

GMT 18:12 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

هند رستم.. الأنوثة قبل الإغراء دائمًا!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:08 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة
 لبنان اليوم - نتنياهو يعلن اعتراف إسرائيل بأرض الصومال دولة مستقلة

GMT 17:24 2025 الجمعة ,26 كانون الأول / ديسمبر

الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح
 لبنان اليوم - الجيش اللبناني يستعد للمرحلة الثانية من حصر السلاح

GMT 12:50 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 11:49 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

من المستحسن أن تحرص على تنفيذ مخطّطاتك

GMT 22:30 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 22:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:17 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

كن قوي العزيمة ولا تضعف أمام المغريات

GMT 13:08 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأحد 1 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 21:05 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تطرأ مسؤوليات ملحّة ومهمّة تسلّط الأضواء على مهارتك

GMT 05:03 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 19:23 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

حريق كبير في بينو العكارية اللبنانية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon