إعادة تكوين نظام الاعتدال العربي

إعادة تكوين نظام الاعتدال العربي

إعادة تكوين نظام الاعتدال العربي

 لبنان اليوم -

إعادة تكوين نظام الاعتدال العربي

وليد شقير

مع تعدد القراءات للتطورات الإقليمية، لا سيما في العراق بعد صعود «داعش» وسيطرته على أجزاء منه وعبثه بتركيبته الاجتماعية والديموغرافية التاريخية، فإن مفاعيل مواجهة كل ذلك تستدعي المراقبة الدقيقة للتغييرات الحاصلة في المنطقة إزاء الخطر الداعشي.

الحاجة الملحة لمحاربة هذه الظاهرة فرضت على القيادة الإيرانية التراجع عن تشبثها بالمعادلة الحاكمة التي أرستها لسنوات بحكم نفوذها في بغداد، فوحش التطرف والإرهاب الذي كان برز في سورية قبل العراق، والذي كان النظام في دمشق سهّل بروزه بهدف شيطنة المعارضة المعتدلة ووصمها بالإرهاب، بتأييد من إيران نفسها، أفلت من عقاله الى درجة بات يهدد بالتوسع إلى الحدود الإيرانية نفسها، فضلاً عن أنه أخذ يتسبب بتداعيات تمس المصالح الاستراتيجية لطهران طالما أنه أنشأ أمراً واقعاً من مخاطره احتمال استقلال إقليم كردستان وضمه أراضي عراقية، الأمر الذي يشكل خطراً مباشراً على مستقبل وحدة الأراضي الإيرانية لاحقاً بوجود ملايين الأكراد فيها.

اضطرت طهران للتضحية بنوري المالكي بعدما أبلغها من استنجدت بهم من دول الغرب والإقليم، أن المساعدة في محاربة «داعش» مشروطة بقيام حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها المكونات السياسية والطائفية العراقية كلها، بدلاً من معادلة التفرد التي رعتها القيادة الإيرانية لمصلحة مقياس وحيد هو الولاء لها ولسياساتها، الى درجة أن «الحرس الثوري» الإيراني بات يعتمد بغداد متنفساً للاقتصاد الإيراني، يقاسمها ثروتها النفطية في موازنات الدفاع عن نظام بشار الأسد، فضلاً عن استخدام العراقيين للقتال إلى جانبه.

وإذا كان كثر يتريثون في اعتبار تراجع القيادة الإيرانية في بغداد تمهيداً لسياسة جديدة لها في المنطقة تسهل انفتاحها على الخصوم وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية، نتيجة لقائهما على الترحيب بتكليف رئيس الحكومة الجديد في العراق، فإن الذي يحتاج الى مراقبة أكثر، هو مدى استعادة محور الاعتدال العربي شيئاً من الحيوية تحت عنوان مواجهة التطرف والإرهاب. والواضح أن القمة السعودية – المصرية جاءت مطلع الأسبوع في صلب هذه التطورات وفي سياق عمل بدأ يتبلور لإعادة تكوين نظام الاعتدال (السنّي) عربياً، خصوصاً أن التطرف ينمو على حدود الدولتين: في العراق واليمن بالنسبة الى السعودية، وفي ليبيا بالنسبة الى مصر، فضلاً عما تشهده الأراضي المصرية من أعمال إرهابية، فإعلان «دولة الخلافة الإسلامية» من قبل «داعش» هو بمثابة إعلان حرب على نظام الاعتدال هذا الذي تشكل تاريخياً مصر والسعودية قاعدته الأساسية. وليست صدفة أن تكون سبقت القمة مواقف غير مسبوقة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في 4 رسائل صدرت منذ خطوة «داعش» في العراق، الأولى حين أمر بحماية المملكة من الإرهاب، والثانية في عيد الفطر حين خاطب المسلمين معتبراً «الطغيان والإرهاب أشد خطراً من أعداء الأمة المعلنين»، ملتزماً مواجهة «الفئة الباغية»، ثم في 2 آب (أغسطس) حين طالب علماء الأمة الإسلامية بأن يقفوا في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه على أنه دين التطرف والإرهاب، ثم إعلانه تقديمه بليون دولار لدحر الإرهاب في لبنان إثر هجوم «النصرة» و «داعش» على بلدة عرسال اللبنانية، وأخيراً في تبرعه بمئة مليون دولار الى الأمم المتحدة من أجل محاربة الإرهاب. ولعلّ عودة زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى بيروت في 8 آب (أغسطس) هي التقاط للحظة التي يسعى فيها «محور الاعتدال» لاستعادة المبادرة في وجه تنامي مظاهر التطرف، لكن كل هذه الأحداث، من العراق الى لبنان، تمت بمعزل من سياسة إيران في المنطقة، وهي ليست بالاتفاق معها ولم تكن في سياق المواجهة الدائرة بينها وبين عدد من الدول العربية، بل لإحداث توازن سياسي يضع حداً للتطرف، وهو أمر قد يقود الى شيء من الانفراج لا التصعيد.

لكن طهران بدلت موقفها في بغداد، ليس استناداً الى خيارات استراتيجية تعيد النظر بسياسات تسببت بما شهدته المنطقة، بل لاضطرارها الى اللحاق بالمرجعية الدينية العراقية التي أصرّت على تغيير نوري المالكي وعلى التفاهم مع المكون السنّي الشريك...

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إعادة تكوين نظام الاعتدال العربي إعادة تكوين نظام الاعتدال العربي



GMT 14:36 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

الفساد وصل إلى الجميد !

GMT 14:35 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

المدينة العمياء

GMT 14:34 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

«الزحلاوي» توم برّاك

GMT 14:33 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

من بونداي إلى تدمر... تحدي «داعش» العابر للحدود

GMT 14:32 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

استعادة لبنان بإنهاء هيمنة السلاح وإطلاق الإصلاح!

GMT 14:30 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

ها هو التاريخ أمامك يا جبران

GMT 14:27 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

نحو عام جديد... نرفعُ الأشرعة

GMT 14:26 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 14:02 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:36 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 15:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 03:58 2015 الأربعاء ,15 تموز / يوليو

مسقط وصلاله يصعدان للدوري العماني للمحترفين

GMT 21:36 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 11:51 2022 الأربعاء ,15 حزيران / يونيو

حلف شمال الأطلسي يُعلن دعم كييف بأسلحة بعيدة المدى
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon