ضد التجاوزات

ضد التجاوزات

ضد التجاوزات

 لبنان اليوم -

ضد التجاوزات

حسن نافعة
لن ينصلح حال هذا البلد إلا إذا نجح فى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة تقوم على القانون وتحترم حقوق الإنسان والمواطن. ولن ينجح فى بناء دولة بهذه المواصفات إلا إذا تمكن من إرساء قواعد راسخة لنظام سياسى يتسع للجميع ويشارك فيه الجميع، ويسمح بتداول حقيقى للسلطة بين مختلف التيارات المتنافسة. وإذا كانت ثورة يناير 2011 قد فتحت باباً واسعاً للأمل فى أن تتمكن مصر من اللحاق يوماً ما بركب الدول الديمقراطية الحديثة، إلا أن التجاوزات التى ارتكبتها النخب المسؤولة عن إدارة عملية التحول الديمقراطى، وعدم احترام هذه النخب للقانون، حالت دون تحقيق هذا الهدف بالسرعة الواجبة، ودفعتنا للدوران فى حلقة مفرغة من مراحل انتقالية متعاقبة كانت دائماً ما تعود بنا إلى نقطة الصفر فى كل مرة. ففى المرحلة الانتقالية الأولى، التى تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة مسؤولية إدارتها، كما فى المرحلة الانتقالية الثانية، والتى تولى مسؤولية إدارتها رئيس منتخب ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين، لم تلتزم مؤسسات الدولة باحترام القانون فى جميع تصرفاتها، حيث وقعت تجاوزات كثيرة ارتكبت خلالها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والمواطن، الفردية منها والجماعية. ورغم صدور قرارات عديدة، فى كلتا المرحلتين، تضمنت تشكيل لجان تحقيق أو لجان تقصى حقائق، خصوصا فى الحالات التى وقعت فيها انتهاكات جسيمة للحريات وحقوق الإنسان، إلا أن هذه اللجان لم تتمكن من أداء عملها كما ينبغى، وأحيانا لم تتمكن من إتمام عملها لسبب أو لآخر، وفى معظم الحالات لم يكشف عما توصلت إليه من نتائج وطواها النسيان. لذا لم يتمكن الشعب المصرى حتى الآن من معرفة هذا «الطرف الثالث» الذى تحدث عنه المسؤولون وتناولته أجهزة الإعلام كثيرا وأصبح موضع نكات لا تنتهى. ويبدو أن سلوك المسؤولين عن إدارة المرحلة الانتقالية الثالثة التى تعيشها مصر حاليا لن يختلف كثيراً عن سلوك المسؤولين عن إدارة المرحلتين السابقتين. كنت ضيفاً على قناة الجزيرة فى الليلة نفسها التى ألقى فيها الفريق السيسى بيانه معلناً عن خارطة طريق جديدة لمصر. وفجأة انقطع الإرسال وأظلمت الشاشة. كان معى فى نفس الاستوديو إبان تلك التغطية المباشرة الدكتور جمال جبريل، أستاذ القانون الدستورى، وفى استوديو آخر فى مكان آخر فى القاهرة كان هناك الأستاذ عبدالخالق فاروق، الاقتصادى المعروف. بعدها طلب من الجميع إخلاء المكان على عجل، وتبين لاحقاً أن عدداً من رجال الأمن اقتحموا الاستوديو وقاموا بقطع الإرسال وألقوا القبض على بعض الأشخاص. استهجنت التصرف فى قرارة نفسى واعتبرته ليس فقط منافياً للقانون، وإنما للذوق أيضا. وقد تعرض عدد من القنوات الخاصة الناطقة باسم تيار الإسلام السياسى لمعاملة مماثلة وقعت فى نفس التوقيت، أدركت حينئذ أننا إزاء عملية ممنهجة لتكميم الأفواه وتحجيم «الرأى الآخر»، وهو سلوك يتعين استنكاره بشدة والوقوف فى وجهه، لأنه يمثل اعتداء جسيماً على الحريات التى ناضل الشعب المصرى طويلاً من أجل أن يحصل عليها، وبالتالى لا يمكن القبول به أبدا فى مصر الثورة. بعد أيام قليلة وقعت مجزرة أمام الحرس الجمهورى قتل خلالها عشرات الأشخاص وجرح المئات. ورغم قناعتى التامة بأنه يستحيل على الجيش المصرى أن يطلق النار على المواطنين إلا إذا تعرض للهجوم وكان فى حالة دفاع عن النفس، إلا أن سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا يثير شبهات وتساؤلات كثيرة يتعين استجلاؤها ووضع الحقائق كاملة أمام المواطنين. ورغم قيام رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة تحقيق، إلا أن الأجواء السائدة حاليا تثير لدى شعوراً بعدم الاطمئنان وتجعلنى أقرب إلى الاعتقاد بأن مصير هذه اللجنة لن يكون مختلفاً عن سابقاتها. وفى هذه الأيام تجرى مطاردة لعدد من قيادات جماعة الإخوان، من بينهم المرشد العام، بعد أن صدر فى حقهم «أوامر ضبط وإحضار» للتحقيق معهم بتهمة التحريض على العنف، ورغم قناعتى التامة بأن كثيرين فى مصر حرضوا ومازالوا يحرضون على العنف، إلا أننى لست مقتنعاً بعدالة هذه الخطوة أو حتى بجدواها من الناحية السياسية. نعم هناك تجاوز إعلامى، وهناك تحريض على العنف، لكن معالجة هذه التجاوزات يجب أن تتم فى إطار من الاحترام التام للقانون وبتطبيق ذات المعايير على الجميع، وإلا فسنستمر فى الدوران فى الحلقة المفرغة نفسها لفترة طويلة قادمة ولن ننجح أبدا فى تأسيس دولة القانون.
lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضد التجاوزات ضد التجاوزات



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:05 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 11:59 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

يتحدث هذا اليوم عن مغازلة في محيط عملك

GMT 20:21 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 14:39 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 09:04 2023 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

خبير طبي يؤكد أن التدفئة مهمة جدًا للأطفال الخدج

GMT 11:33 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

تنعم بحس الإدراك وسرعة البديهة

GMT 04:58 2025 السبت ,13 كانون الأول / ديسمبر

أفكار متنوعة لترتيب وسائد السرير

GMT 22:04 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 19:17 2022 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

التيشيرت الأبيض يساعدك على تجديد إطلالاتك
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon