عاجل إلى من بيده الأمر رجل دولة أم سياسي

عاجل إلى من بيده الأمر: رجل دولة أم سياسي؟

عاجل إلى من بيده الأمر: رجل دولة أم سياسي؟

 لبنان اليوم -

عاجل إلى من بيده الأمر رجل دولة أم سياسي

معتز بالله عبد الفتاح

درجت دراسات «القيادة» على التفرقة بين متخذى القرار المدفوعين بالشعبية والجماهيرية، وأولئك المدفوعين بالمصلحة العامة. وأُطلق على الفئة الأولى «سياسيون» وعلى الفئة الأخرى «رجال دولة». وهى تفرقة لها حظ من التاريخ؛ فمثلاً كان أبراهام لينكولن واحداً من تلك الزعامات التى نالت نصيباً وافراً من الانتقادات بل والحنق خلال فترة حكمه، بعد أن اتخذ قراراً كريهاً على معظم الأمريكيين آنذاك، وهو الدخول فى حرب مع ولايات الجنوب.
وهى الحرب التى استمرت أربع سنوات ونصف السنة، مات خلالها 625 ألف أمريكى، وكان واحد من كل خمسة أمريكيين إما مصاباً أو قتيلاً فى هذه الحرب. كان هدف الرجل هو حفظ الاتحاد من الانهيار. وكان منطقه كما قال هو: «تسيل الدماء اليوم حتى لا تسيل فى المستقبل، يموت أبناؤنا اليوم حتى يحيا أبناؤهم فى المستقبل. هذه حرب لم أخترها، ولكن لا يمكن أن أفرّ منها».
هذا الرجل آنذاك لم يكن «سياسياً» بارعاً وفقاً لرؤية معاصريه، وانتهى به الحال أن مات مقتولاً. ومع ذلك فإن جميع الباحثين والمحللين السياسيين الدارسين للأربعين ونيف من الرؤساء الأمريكيين يضعون هذا الرجل سابقاً أو تالياً لجورج واشنطن كأعظم رئيس أمريكى. كان «رجل دولة» حفظ الدولة وضمن لها الاستمرار، وإن كرهه بعض الكارهين فى حياته.
الرئيس الأمريكى جيرارد فورد كان نموذجاً للرئيس الفاشل سياسياً، رغم أن تقييم معظم المحللين له على مدى زمنى طويل أنه اتخذ واحداً من أهم القرارات التى حفظت التقاليد الجمهورية الأمريكية. وكان هذا القرار هو أنه أصدر عفواً شاملاً عن الرئيس السابق نيكسون، الذى كانت كل الأدلة تشير إلى تورطه فى حادثة التجسس على مقر الحزب الديمقراطى، ثم كذّبه بأنه لم يكن على علم بهذا.
قرار العفو عن نيكسون كان فى لحظتها وفى الأيام التالية عليه من أقل القرارات التى اتُخذت شعبية، ولكن بعد أن مرّت فترته بنجاح، ينظر الناظرون لتلك المرحلة ليقولوا: صدق فورد حين طوى صفحة نيكسون بسرعة، وجعلنا نركّز فيما هو أهم. كان «رجل دولة» حفظ التقاليد الجمهورية وتقبّل أسهم النقد كى تنجو بلاده. ولو أراد شعبية زائفة لجعلها قضية اليوم والغد، ولتحوّل إلى أيقونة «سياسية» يحبها الناس بمشاعرهم، ثم يتبين لهم لاحقاً أنهم أضاعوا الوقت والعرق والجهد فيما لم يكن منه طائل.
رئيس الوزراء مهاتير محمد كتب فى أواخر الستينات عن المجتمع المسلم فى ماليزيا فى كتابه «معضلة المالايو». لقد كان الرجل يصف مجتمعه أوصافاً اعتدنا استخدامها نحن اليوم فى وصف مجتمعنا من كسل وسلبية وعدم احترام القانون وأنانية مفرطة والتزام شكلى بالإسلام، والرضا بأن نظل دولة متخلفة. حتى إن الحزب الحاكم فى ماليزيا آنذاك منع الكتاب من التداول؛ نظراً للآراء الحادة التى تضمّنها، وأصبح مهاتير محمد فى نظر قادة الحزب مجرد شاب متمرد لا بد أن تُحظر مؤلفاته. غير أن مهاتير سرعان ما أقنع قادة الحزب بقدراته، وصعد نجمه فى الحياة السياسية بسرعة، وتولى رئاسة وزراء بلاده من عام 1981 لمدة 22 عاماً، كان فيها وقبلها «رجل دولة» بحق.
من عنده وقت فليقرأ عن «بن جوريون»، أول رئيس وزراء لإسرائيل، ليعرف كيف نجح هذا الكيان الصهيونى فى الصمود. قال عنه بيريز، رئيس إسرائيل الحالى الذى سيترك منصبه قريباً والسكرتير الشخصى لـ«بن جوريون»: حين يدخل عليك بن جوريون الحجرة فكن متأكداً من ثلاثة أشياء: أولاً، لن يطلب شيئاً شخصياً له. ثانياً، لن ينتقدك أو يشوه صورتك. ثالثاً، لديه فكرة جديدة لخدمة دولة إسرائيل.
مع الأسف هذه هى أخلاق أعدائنا.
طيب عايز إيه يا مُع مُع زهقتنا؟
أبداً، كتبت ناصحاً الدكتور مرسى أن يكون فوق السياسة وليس جزءاً من صراعاتها، لكنه بغفلة متناهية وسوء تقدير شديد، تحرك مثل الفيل الأعمى فى غرفة الخزف. المطلوب أن نتعلم من الدروس والأخطاء وهى كثيرة، وعلى رأسها:
أولاً، أين الأحزاب التى ستدخل الانتخابات المقبلة؟ رئيس الجمهورية عليه أن يكون فوق الأحزاب وليس جزءاً منها. عليه أن يقوم بعملية هندسة مؤسسية لهذه الأحزاب حتى يكون لها وجود حقيقى على الأرض. على الدولة أن ترعى عدداً من الائتلافات الحزبية وأن تدعم وجودها فى الشارع دون أن يكون رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء رئيساً أو عضواً فى أى حزب.
مسئولية اتحاد الكرة أن يدعم الأندية دون أن يحابى أياً منها. القرار فى النهاية للناخب. ولكن لا بد من وجود حزب أو عدة أحزاب قوية تمثل التيار الليبرالى وأخرى تمثل التيار اليسارى وأخرى تمثل التيار القومى ورابعة تمثل التيار المحافظ (ولا أقول تمثل التيار الدينى).
لا بد لهذه الأحزاب أن تطور من أدوات عملها وتقدم كوادر جديدة للحياة السياسية بالذات من الشباب والسيدات وإلا لا تحصل على دعم الدولة، وتجارب دول أخرى سبقتنا فى طريق الديمقراطية مثل فرنسا وكوريا الجنوبية والهند تعطينا دروساً تستحق الدراسة. ولا بد أن يتم تدريب هذه الكوادر بحيث تكون أكثر قدرة على العمل الوطنى من خلال الأحزاب وليس العمل الحزبى من خلال الوطن.
ثانياً، على المتحدثين باسم وزراة العدل والنيابة العامة أن يتحدثوا أكثر للناس لتوضيح ماذا يحدث ولماذا يحدث. السلطة القضائية إن لم تجد لها دعماً معنوياً من الرأى العام فستفقد أهم أسلحتها باعتبارها القائمة على تفسير القانون وليست جزءاً من أى حسابات سياسية. لا نريد والدولة تسعى لتحقيق الأمن أن يضيع منها العدل.
ثالثاً، وزارة الداخلية، وزارة الداخلية، وزارة الداخلية. ولن أقول أكثر من ذلك.
رابعاً، ليس صحيحاً أن أهم ما يواجه مصر من تحديات هى أمنية واقتصادية فقط. القضية سياسية فى المقام الأول. ومن يغفل عن هذا، فهو لا يفكر بمنطق رجل الدولة.
خامساً، محاولة الاستئصال دون الإحلال لن تجدى. لا يكفى وصف شخص أو جماعة بأنه إرهابى. المسألة تتطلب أن يكون هناك تصور بديل لمن يملأ الفراغ الناجم عن الاستئصال وإلا سيحل محل من يتم استئصاله ما هو أسوأ منه.
سادساً، صورة مصر فى الخارج ليست ترفاً لا يعنينا. الخارج الآن هو الاستثمار والسياحة والتسليح وشبكة التحالفات الإقليمية والدولية ومصادر التهديد المحتمل، وما أحوجنا لأن يكون كل هذا بأيدينا وليس رغماً عنا. ولكن العالم الخارجى ليس غبياً، لا يمكن أن يستقيم الظل والعود أعوج. ولا يمكن أن تكون الصورة جيدة والواقع قبيحاً.
سابعاً، الرؤية.. ثم الرؤية.. ثم الرؤية.. ومن لا رؤية له يسير مكباً على وجهه يعيش فترة حكمه فى حالة رد فعل دائم، وهنا ينجح الآخرون فى توجيهه لأنه لا خطة له، فيصبح بردود فعله جزءاً من خطط الآخرين.
اللهم إنى أحاول أن أبلغ.. اللهم إنى أكرر المحاولة منذ 2011، اللهم وفق وسدد خطانا لما فيه صالح مصر والمصريين. آمين.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاجل إلى من بيده الأمر رجل دولة أم سياسي عاجل إلى من بيده الأمر رجل دولة أم سياسي



GMT 18:25 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نهاية حزينة لشارع الحمرا…

GMT 18:24 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

القلعة الجوفاء: بعدما هدأ غبار الهجوم على إيران

GMT 18:23 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

«الست» أيضاً

GMT 18:22 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تغيير الحدود ومواعيد نتنياهو

GMT 18:21 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

هل «الموديل» الغربي مُقدّس؟

GMT 18:19 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تعقيدات الهُويَّة وأنثروبولوجيا إسلام الخارج

GMT 18:16 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تعقيدات الهُويَّة وأنثروبولوجيا إسلام الخارج

GMT 18:15 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

لبنان وغزة... إدارة النزاع بدل إنهائه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 16:44 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن تحييد "عنصرين" في "حزب الله" اللبناني
 لبنان اليوم - الجيش الإسرائيلي يعلن تحييد "عنصرين" في "حزب الله" اللبناني

GMT 15:01 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

احذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 14:56 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

سندس القطان بإطلالات مقلمة ناعمة ورائعة على انستقرام

GMT 17:43 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

لاعب كونغولي يخطف الأنظار في مونديال اليد

GMT 01:35 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

وفاة 4 لاعبين ورئيس ناد بطريقة مأساوية في البرازيل

GMT 17:45 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تنشر مشاهد لجمال لبنان وتعلق"خلينا ما بقى نسكت"

GMT 02:55 2018 الأربعاء ,06 حزيران / يونيو

7 حيل تجعل عطركِ يدوم طويلًا مهما كان نوعه

GMT 01:56 2020 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

النساء يحقّقن اختراقات في انتخابات الكونغرس الأميركي
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon