عاجل من إسرائيل إلى العرب الردع التصاعدي

عاجل من إسرائيل إلى العرب: الردع التصاعدي

عاجل من إسرائيل إلى العرب: الردع التصاعدي

 لبنان اليوم -

عاجل من إسرائيل إلى العرب الردع التصاعدي

معتز بالله عبد الفتاح

أستعرض هنا جزءاً مطولاً من مقال مهم كتبه المثقف السعودى البارز جمال خاشقجى فى جريدة «الحياة» أمس السبت. يقول الرجل:
فى آذار (مارس) 1955 قامت وحدة من الجيش الإسرائيلى بهجوم على معسكر للجنود المصريين فى قطاع غزة الذى كان فى عهدة مصر بعد حرب 1948، وقتلت بدم بارد 36 منهم وجُرح 28 آخرون. أحد المنفذين كان سيئ الذكر رئيس الوزراء الإسرائيلى الراحل أرييل شارون، قال إن هدف العملية «قتل جميع الجنود وتفجير كل الأسلحة الموجودة فى المعسكر وتخريب كامل منشآته»، بمعنى أنه هدف عقابى وليس عسكرياً «لتوصيل رسالة للقيادة المصرية برئاسة جمال عبدالناصر تفيد بأن أى عملية فدائية جديدة ستكون نتيجتها حصيلة دامية عليها»، كما جاء فى تقرير إسرائيلى رسمى سرى كُشف عنه قبل أعوام قليلة.
تعلّم عبدالناصر من الدرس الإسرائيلى المؤلم، وأوقف العمليات الفدائية التى كانت تنفذها وحدات من المخابرات المصرية، وهى عمليات تثير حيرة المؤرخين، إذ إنه كان خلال الفترة نفسها يتخاطب مع رئيس الوزراء الإسرائيلى موشى شاريت حول سلام بين البلدين. على كل حال، فرض عبدالناصر لاحقاً قبضته الحديدية على غزة، ومنع وطارد كل فلسطينى يفكر بالمقاومة.
استدعِ هذه الصورة التاريخية وطبّقها على غزة اليوم.
كشف التاريخ لاحقاً أن أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون وضع عقيدة عسكرية لبلاده فى التعامل مع محيط إسرائيل العربى الرافض لها، هى «الردع التصاعدى» بعدم التسامح مع أى عملية مقاومة، بل الرد عليها بقوة متصاعدة وعنيفة، لكى يدرك هذا المحيط الرافض أنه ما من اختيار أمامه غير القبول بإسرائيل أو رفضها مع وقف كل أشكال المقاومة، والنتيجة تقريباً واحدة، فإسرائيل لا تريد حب العرب ولا إقناعهم بحقها أن تعيش وسطهم، لأنها تعلم أن وجودها بينهم خارج سياق التاريخ والمنطق، وأنها جاءت بالقوة وستعيش بالقوة وتموت بها، وبالتالى لا بد أن تحيا وهى قابضة على الزناد. جولة على تاريخ إسرائيل والمقاومة الفلسطينية تثبت أن هذه العقيدة لا تزال قائمة، وهو ما يطبقه بكل أمانة لتراث أسلافه رئيس الوزراء الحالى بنيامين نتنياهو فى غزة اليوم. باختصار وبحسب عقيدة «الردع التصاعدى» فإن إسرائيل ستنكّل بالفلسطينى المقاوم فى غزة حتى يستسلم مثلما فعل غيره.
المشكلة أن إسرائيل تريد من العرب أن يتغيّروا، وهى لا تتغير، فالثابت الآخر الذى يجعل من القبول بإسرائيل والاستسلام للأمر الواقع أكثر مرارة هو «الاحتلال»، فهى متمتعة بغطاء أمريكى، تتعامل مع «الاحتلال» بخليط من العنصرية والاستعلاء، فالمفاوضات التى قادها وزير الخارجية الأمريكية كيرى قبل أشهر فشلت، بسبب هذا الموقف الإسرائيلى من «الاحتلال» الذى تريد أن تشرعنه، وهو ما لم تستطع قبوله حتى «السلطة الوطنية» فى رام الله التى استسلمت للأمر الواقع والمكاسب والثروة والامتيازات، فكيف بحركة غاضبة محاصرة مثل «حماس»، وبقدر ما تجعل هذه العقدة «السلام» مستحيلاً، فإنها تجعل «الاستسلام» أيضاً مستحيلاً.
هذا المدخل مهم للمثقفين العرب والكتّاب الذين انبروا للهجوم على فكرة المقاومة بشكل غير مفهوم فى حرب غزة الدائرة الآن، ما يستدعى تحليلاً لهذه الظاهرة الغريبة. بطرح فج انهالوا على المقاومة الفلسطينية لوماً وتقريعاً.
فى ذلك الصباح من 1955 لم تكن هناك إيران ولا إسلام سياسى، وإنما زعيم مصرى شاب يريد أن يفاوض الإسرائيليين ويضغط عليهم مستخدماً سلاح المقاومة، فتعرّض لبعض ما تتعرض له «حماس» اليوم، فاستسلم لحقائق الأمر الواقع، فترك غزة لمصيرها ومعها كل فلسطين، أما «حماس» وبقية الغزاويين فهم فى سجن كبير، لا يستطيعون مغادرة وطنهم حتى لو أرادوا، لأنه وطنهم، ولأنه سجنهم الكبير بقرار إسرائيلى عنصرى استعلائى، وبقبولنا الضمنى.
ويبقى السؤال حول تلك النزعة الطارئة المعادية للمقاومة التى انتشرت بين كتّاب عابرين فى زمن عابر، لا أجد لها تفسيراً غير «أنتم تحرجوننا بالمقاومة، لقد استسلمنا فلِمَ لا تفعلون مثلنا؟».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاجل من إسرائيل إلى العرب الردع التصاعدي عاجل من إسرائيل إلى العرب الردع التصاعدي



GMT 14:58 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

عقليّة الغلبة دمّرت لبنان

GMT 14:32 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

محارق

GMT 14:31 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

صورة المسلم بين عائلتين

GMT 14:30 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حزب البعث اللبناني: أهمية ما ليس مهماً

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جوع وصقيع وفزع

GMT 14:29 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

أبواب دمشق

GMT 14:28 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

«كايسيد»... الحوار هو الخيار

GMT 14:26 2025 الأربعاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا والحوار المهيكل

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon