خجل فى غير محله

خجل فى غير محله

خجل فى غير محله

 لبنان اليوم -

خجل فى غير محله

أسامة غريب
بقلم : أسامة غريب

أحيانًا نقرأ لكاتب أو لصحفى رأيًا يتضمن انتقادًا لأحد المسؤولين وقراراته، ثم فى اليوم التالى مباشرة نقرأ للشخص نفسه ما يمثل انسحابًا منظمًا وتراجعًا ناعمًا عما ذكره فى عموده أمس.. ولا يكون السبب رشوة تلقاها من المسؤول أو تهديدًا أخافه، وإنما مجرد مكالمة تليفون لطيفة.. فقط مكالمة تليفون كان السيد المسؤول فيها رقيقًا، ودودًا، متبسطًا جعلت الكاتب يخجل من نفسه ويتراجع عن انتقاد المسؤول المهذب، وكأن السمات الشخصية الطيبة للمسؤول تعفيه من المساءلة بشأن أدائه العام!.

فى اعتقادى أن عدم ترسخ قيم التعددية، والخلط بين العام والخاص، فضلًا عن توقع الأسوأ، هى السبب فى حالة الخجل التى يعزى إليها التراجع عن المواقف السليمة لمجرد تلقى معاملة حسنة.

غير أن الخطير فى الأمر أن هذه الحالة موجودة أيضًا فى عالمنا العربى، وإليها إلى جانب عوامل أخرى يعود الإخفاق فى السياسة الخارجية وتقديم التنازلات غير المبررة. ويمكنك إذا تطلعت مثلًا إلى أبومازن وهو يلتقى وزير الخارجية الأمريكى أن ترى ملامح الغبطة والسعادة على وجهه لأنه يسلم عليه فى حرارة ويتحدث معه بلطف، بينما وسائل إعلامه تقوم بامتداحه وتصفه بالصديق المعتدل، ويمكنك كذلك أن تتصور نوع المفاوضات التى تجرى فى ظل هذا التأثير ونتائجها، خاصة إذا لم يقتصر الأمر على وزير الخارجية، وإنما تضمّن أيضًا لقاءً بالرئيس الأمريكى فى المكتب البيضاوى، والتقاط الصور معه أثناء حوار ضاحك!. وأظن أن مفاوضات السادات فى كامب ديفيد وما سبقها لم تبتعد كثيرًا عن هذا المثال؛ فقد عامله الأمريكان معاملة شديدة الود، واختاروه واحدًا من أشيك عشرة رجال فى العالم كما أغدقوا عليه من صفات العبقرية وسمّوه نبى السلام، لدرجة أنه تصور أن صداقة حقيقية قد أصبحت تربط بينه وبين قادتهم ونجوم الإعلام لديهم. ولعله خشى من مغبة التشدد فى المفاوضات، وعرف أن الصلابة فى المواقف قد يترتب عليها تراجع كل هذا الحنان الاستراتيجى.

الذى أقصده من هذا الحديث أن البيئة السياسية والاجتماعية لدينا تحتاج إلى أن تتطور؛ لأن الناس ما زالوا يتهيبون المناصب ولا يحسنون الظن بشاغليها، ولديهم ميراث طويل يعزز موقفهم هذا.. ولعل ذلك أفقدهم كثيرًا من عوامل الثقة بالنفس وبالمجتمع الذى لا يعتقدون فى كونه ظهيرًا يُعتمد عليه إذا ما احتاجوا عونه فى مقاومة الضغوط.. لذلك فمن السهل أن يشعروا بالتحرج والخجل مما لا يستوجب أى حرج أو خجل، ومن السهل أن تلين الإرادة وتضعف الصلابة لدى سماع كلمات طيبة خلال مكالمة ودودة!.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خجل فى غير محله خجل فى غير محله



GMT 21:13 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 21:12 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 21:10 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 21:07 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

GMT 21:06 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 21:05 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

حين قرأ كسينجر لحسن البنا

GMT 21:04 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«ماغا»... رأب الصدع أم نهاية الائتلاف؟

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 04:11 2025 الخميس ,08 أيار / مايو

البرج الطالع وتأثيره على الشخصية والحياة

GMT 16:08 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الأمير فيصل بن فرحان يترأس وفد السعودية في قمة "بريكس بلس"

GMT 07:38 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل 10 عطور رقيقة للعروس

GMT 19:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الأردني محمد الدميري يتفوق على السوري عمر السومة

GMT 19:02 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

ساؤول يتطلع إلى استعادة أفضل مستوياته مع تشيلسي

GMT 20:30 2021 الإثنين ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أثيوبيا تنفي شنّ هجوم على السودان وتحمل متمرّدين المسؤولية

GMT 08:19 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

تغريم امرأة تركية خرقت "واجب الإخلاص" لطليقها وهربت مع صهره

GMT 23:04 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

إصابة تريزيجيه بفيروس كورونا وابتعاده عن مباريات أستون فيلا

GMT 06:35 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

التلميذ.. ونجاح الأستاذ
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon