إسرائيل بين الضم والضم

إسرائيل بين "الضم والضم"

إسرائيل بين "الضم والضم"

 لبنان اليوم -

إسرائيل بين الضم والضم

الدكتور عبدالحسين شعبان
بقلم : الدكتور عبدالحسين شعبان

 اضطرّ رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو إلى تجميد قرار ضم المستوطنات وغور الأردن وشمال البحر الميت  “إسرائيل” (1/7/2020)، والتجميد أو التأجيل لا يعني تراجعاً، فالتوجه ظلّ كما هو ، ولكن ثمة أسباب تحول دون تحقيقه في الوقت الحاضر، وفي مقدمتها الخلافات الشديدة بين الحكومة والجيش وأجهزة المخابرات الثلاث (الشين بيت- المخابرات الداخلية) و(الموساد- المخابرات الخارجية) و(أمان – استخبارات الجيش)، حيث ترى هذه الجهات المخالفة لقرار نتنياهو أن قرار الضم قائم فعلياً بتوسيع الاستيطان وقضم الأراضي، وهو لا يحتاج إلى إعلان قانوني، يثير ردود فعل ضده فلسطينياً وعربياً، ولاسيّما أردنياً (حكومة وشعباً)، وعالمياً، من جانب الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين ودول إسلامية عديدة، وتململات أمريكية جديدة بالرغم من تأييد الرئيس دونالد ترامب لقرار الضم.

إن القرار “الإسرائيلي” بتجميد أو تأجيل الضم لا يعني وقف الاستيطان، فمصادرة الأراضي الفلسطينية وتجريفها وتمزيقها قائم على قدم وساق، بقرارات عسكرية وإجراءات إدارية تقوم “السلطات” بتنفيذها دون ضجيج بما فيها هدم المنازل وتدمير إمكانية الاستقرار وجعل البيئة طاردة للبقاء، ولعل إصرار نتنياهو على عملية الضمّ فلأنه يريد اختتام حياته السياسية بعمل تاريخي كما يعتقد، دون أن ننسى غرضه الخاص وهو التهرّب من دخوله السجن بسبب تهم فساد كبرى.

ومن هنا كان الاختلاف شاسعاً وعميقاً بين فريق نتنياهو وبين الفريق المعارض، خصوصاً وأن هناك خشية حقيقية من الإقدام على مثل هذه الخطوة، التي أثارت جدلاً واسعاً وتداخلات إعلامية وسياسية مختلفة داخل المجتمع “الإسرائيلي” ، ليس فيما يتعلق بالتوقيت وحجم الأراضي أو الطريقة التي ستتم فيها، بل حول الهدف والوسيلة والتحديات التي

ستواجهه، لاسيّما إذا كان الضم “قانونياً”، علماً بأن ليس كل ما هو قانوني “شرعي”؛ لأن فرض القوانين “الإسرائيلية” على الأراضي الفلسطينية المحتلة، يتعارض مع قواعد القانون الدولي واتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977، ناهيك عن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وبشكل خاص ميثاق الأمم المتحدة الذي لا يقرّ بمبدأ الضم والإلحاق والحصول على مكاسب سياسية جراء الاحتلال، وهو ما يتعارض مع قراري مجلس الأمن الدولي 242 لعام 1967 و338 لعام 1973، مثلما يتعارض مع القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة لعام 1947 وللقرار 194 الخاص بحق العودة لعام 1949.

ويعتقد الفريق المعارض لنتنياهو أن قرار الضم سيعود بالضرر الكبير على “إسرائيل”، ولهذا دعا إلى التأمل والتفكير والحذر قبل الشروع بتنفيذه، وهو يفضل الضم الواقعي على الضم القانوني، فالأول يعني إقدام “إسرائيل” على قضم الأراضي بالتدرّج وبالتراكم ودون إعلان قانوني في الوقت الحاضر ، لكي يصبح الأمر الواقع واقعاً بعد حين، وذلك بتحقيق الأهداف وتلبية الطموحات “الإسرائيلية” على نحو هادئ ودون استفزاز المجتمع الدولي، وفي الوقت نفسه فإن هذا الإجراء يساهم في تقليل حجم الأعباء والمسؤوليات؛ وقد سارت “إسرائيل” على هذا النهج منذ احتلالها العام 1967، حيث ضمت تحت عنوان الأمر الواقع مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس والضفة الغربية دون إعلان في البداية .

وخلال سنوات راكمت قضمها للأراضي وأقدمت على بناء المستوطنات ، وحين جاءت المفاوضات الفلسطينية – “الإسرائيلية” (مدريد- أوسلو 1991-1993) كانت قضية المستوطنات وتبادل الأراضي والحدود، مادة أساسية في المفاوضات، الأمر الذي جعل “مبدأ الضم” يخضع من وجهة النظر “الإسرائيلية” للاتفاق ويتم على طريق الحوار لا عبر القوة والإكراه، ولهذا يعتقد فريق من “الإسرائيليين” اليوم أن هذا الأسلوب هو الأنجع والأسلم والأقل كلفة والأكثر أمناً.

أما الثاني وهو الضم القانوني فهو إعلان مباشر من جانب ” إسرائيل” على إخضاع أراضي فلسطينية لسيادتها ، الذي سيلقى رفضاً فلسطينياً وعربياً وممانعة

واعتراضاً دولياً وبالتالي سيثير مواجهات وانتفاضات، كما حصل في انتفاضة الحجارة العام 1987 وانتفاضة العام 2000، بعد انقضاء الفترة الأولى من اتفاقية أوسلو دون حل للقضية الفلسطينية .

وسيكون من تبعات الضم القانوني إنهاء التنسيق الأمني مع السلطة الوطنية الفلسطينية ، والقضاء على أي إمكانية لتسوية مقبولة في المستقبل، خصوصاً بطي خيار “حل الدولتين” ، وهو ما يمكن أن يخلق وضعاً جديداً “لإسرائيل” بمساحتها الجديدة وحدودها الواسعة ومستوطناتها المبعثرة وجدارها الأمني المتعرج، إضافة إلى الكلفة المادية والجهود الأمنية والاحتكاكات والاشتباكات المحتملة مع الفلسطينيين، بما سيعيد الصراع إلى المربع الأول، أي المواجهة العسكرية وخيار المقاومة المسلحة، ناهيك عن تداعياته على الحدود الشرقية، برد الفعل الأردني الحازم ، والذي قد يضع اتفاقية وادي عربة أمام تحدّيات جديدة.

وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار تراجع المساعدات الدولية وتفشي وباء كورونا، فإن هذا سيخلق مجتمعاً فلسطينياً غارقاً في الفقر والعوز والمرض، لاسيّما في ظلّ حصار غزة الذي يستمر منذ 13 عاماً، وستكون تلك الأوضاع بمثابة قنابل غير موقوتة ومفخخات جاهزة للإنفجار في أي وقت في الداخل “الإسرائيلي”.

*كاتب ومحلل سياسي عراقي

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إسرائيل بين الضم والضم إسرائيل بين الضم والضم



GMT 00:53 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

فخامة الرئيس يكذّب فخامة الرئيس

GMT 21:01 2020 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

بايدن والسياسة الخارجية

GMT 17:00 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

أخبار عن الكويت ولبنان وسورية وفلسطين

GMT 22:48 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

عن أي استقلال وجّه رئيس الجمهورية رسالته؟!!

GMT 18:47 2020 الأربعاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب عدو نفسه

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها

GMT 08:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الفحم للشعر وطريقة عمل قناع منه

GMT 00:39 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

نتائج مثيرة لما بحث عنه مستخدمو الإنترنت على "غوغل" في 2019

GMT 10:01 2022 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

أفكار في الديكور للجلسات الخارجّية الشتويّة

GMT 15:28 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج الحصان..ذكي وشعبي ويملك شخصية بعيدة تماما عن الصبر

GMT 18:44 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

إتيكيت وضع المكياج في الأماكن العامة

GMT 19:26 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

المصائب تتوالى على سان جيرمان أمام ليل
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon