بقلم:عمرو الشوبكي
النقاش حول النظام الجديد فى سوريا مستمر على جميع الأصعدة، فهناك غالبية داخل سوريا والعالم العربى بل والعالم، تدعمه وترى أنه يقدم مشروعا سياسيا جديدا مناهضا للحكم السابق، الذى تحالف مع خصوم الغرب من إيران إلى روسيا، إلا أن هناك نقاشًا آخر بعيدًا عن الموقف من أداء النظام وسياساته الخارجية والوضع الداخلى يتعلق بحدود التغير فى فكر الحكم الجديد فى سوريا، مقارنة بما كان يقوله هؤلاء القادة أثناء قيادتهم للعمل المسلح ضد نظام بشار.
والحقيقة أن هذا النقاش أكثر جدوى من استرسال البعض فى نظريات المؤامرة لتفسير السقوط السريع لبشار، لأن تسلسل الأحداث يقول إن أى تحليل لبنية النظام السابق وحجم الحاضنة الشعبية للمعارضة والدعم الإقليمى الذى نالته يجعل من سقوطه «مسألة وقت».
والحقيقة أن التجربة السورية طرحت قضايا معرفية فى مجال مواجهة التطرف والمعروف باسم (Deradicalization) فى حاجة للتأمل، بعيدا عن الموقف السياسى من النظام الساقط أو الجديد، وذلك بالحديث عن «معانى» ودلالات تتلخص أساسا فى حدود التغير الذى يمكن أن يصيب فصائل إسلامية متشددة، بل صنَّفَ بعضها كإرهابية بصرف النظر عن مساحة الاتفاق والاختلاف معها.
إن التغير ومراجعة الأفكار مثلما فعل تنظيم الجماعة الإسلامية فى مصر طبيعى، فحين قدم ناجح إبراهيم «وإخوانه» مبادرة وقف العنف فى عام ١٩٩٧، وقدموا فيها واحدة من أهم المراجعات الفكرية للتطرف العنيف، وهو لم يحدث فى حالة سوريا، فلم تخرج بعد أدبيات فكرية تراجع التوجهات السابقة، إنما حدثت مراجعة فقط على مستوى الخطاب والمواقف السياسية المعلنة.
صحيح أنه لا يمكن التعامل مع مواقف القيادة السورية الجديدة على أنها نفسها لم تتغير منذ أن حملوا السلاح من ١٠ سنوات، فبالقطع تغيروا حين اكتشفوا بعد وصولهم للسلطة، بل وقبلها بعدة سنوات، أن العالم أكثر تعقيدا مما رأته «جبهة النصرة»، وأن من يحكمه قوى الشر، ممثلة فى أمريكا وإسرائيل، فى حين أن هذا العالم صار أكثر تعقيدا من الثنائيات المبسطة التى رفعتها الفصائل الإسلامية وصار يمكن التواصل معه كما حدث فى العلاقة الناشئة بين سوريا الجديدة وأمريكا، كما أن الخطاب الجديد الذى تطرحه القيادة السورية الجديدة تجاه العالم وأمريكا وإسرائيل والقوى الدولية عكس تغيرا جوهريا فى بنية هذا الخطاب، مقارنة بما كان يقوله نفس هؤلاء القادة منذ سنوات قليلة.
يقينًا، هناك من لا يعترف بالتغيير ويرى أن هذه التيارات وهؤلاء القادة الجدد لا يمكن أن يتغيروا ويتعاملون بشكل انتقائى مع الخطاب المعلن، فيرحبون به مع قادة آخرون ويتجاهلونه فى حالة سوريا، فى حين أن المطلوب اعتبار أن التحول والتغير ومراجعة الأفكار والتوجهات صفة إنسانية طبيعية يمكن اعتمادها كمادة للتحليل السياسى، حتى لو اختلفنا مع هذه الأفكار كليا أو جزئيا.