بقلم:عمرو الشوبكي
غيّرت ثورة الاتصالات منذ بدايات الألفية الثالثة شكل العالم وإيقاع التواصل بين الناس، فقد تكلمت عبر أحد التطبيقات الحديثة مع أحد أميز الباحثين الشباب، وهو د. عمرو صلاح، الذى ناقش أطروحة الدكتوراة فى الولايات المتحدة هذا العام، ولا يزال هناك، واستمر حوارنا نحو نصف الساعة، وكان حول دلالات الانتخابات الأخيرة، وتذكرت حين كنت طالبا للدكتوراة فى تسعينيات القرن الماضى فى باريس، وكيف كنا ننتظر أمام كبائن التليفونات حتى العاشرة والنصف مساء، وهو أرخص موعد للاتصالات الهاتفية لنتكلم مع أهالينا وأحبابنا فى القاهرة.
التغير الذى حدث مذهل، وظهور فيس تايم وسيجنال وواتس آب وزووم وغيرها جعل التواصل مع الأصدقاء والأحباء أمرا سهلا، وجعل كثيرا من الجامعات ومراكز الأبحاث تعقد مؤتمراتها عبر خاصية زووم. وكثيرون منا يُجرون اتصالاتهم ويناقشون قضايا سياسية وعلمية من كل التخصصات وهم جالسون فى مكاتبهم أو بيوتهم ودون أن يدفعوا مليما زائدا عن مكالماتنا العادية (ربنا يستر حتى الآن).
نقاشى مع عمرو، أمس الأول، كان مفيدا للغاية، خاصة أنه هو الذى استخدم تعبير أن الانتخابات الأخيرة جرى فيها «التنافس لأعلى» أو من أجل الأعلى أو بمعنى آخر التنافس على رضا «الأعلى» وليس «الأسفل»، وتعبير الأعلى والأسفل هنا يستخدم فى علم السياسة ليس بمعنى إصدار حكم قيمى على أن الأعلى أفضل أو العكس، إنما يستخدم الأول كتعبير عن أصحاب السلطة والنفوذ والقوة والثانى مقصود به الناس والجماهير.
ما قاله عمرو صلاح إن خطورة ما جرى فى الانتخابات الأخيرة أن التنافس فى أغلبه لم يسْعَ من أجل الحصول على رضا الناس وأصواتهم، حتى لو كانت هذه الأصوات تأتى عبر الخدمات (نائب الخدمات الذى راج فى عهد الرئيس مبارك) أو بالمال أو عبر العصبية العائلية والقبلية، أى كان المرشح همه الأساس رضا الناخبين حتى لو استخدم أدوات غير سياسية وغير مدنية، وهو هنا يختلف تماما عن نموذج النائب الذى يركز هدفه وإمكاناته المالية من أجل الحصول على «رضا الأعلى» حتى يتم اختياره فى قائمة مضمونة النجاح أو يرتب له الترشح فى دائرة «نقاوة» تضمن نجاحه.
إن التنافس «لأسفل» وعلى الناخب يجعل البرلمان قادرا على نقل التباينات، وحتى الصراعات الموجودة داخل المجتمع إلى العلن وداخل مؤسسة شرعية تقنع الناس بجدوى أصواتهم وبأن التنافس حقيقى وغير مصطنع، فيظهر نواب يعبرون عن قضاياهم المحلية ويسعون لحل جانب من مشاكل الناس اليومية بدوائرهم، ويجاملونهم فى المناسبات السعيدة وغير السعيدة، ويا حبذا لو فلت بعضهم ممن يتكلمون فى السياسة ويعارضون «على خفيف» ويخطبون بلغة شعبوية تعجب الجماهير حتى لو كانت غير واقعية.
التنافس «لأسفل» وعلى أصوات الناس حافز مهم لدعم شرعية المؤسسة التشريعية، وأيضا والأهم، النظام السياسى برمته.