السردية الإسرائيلية التي دحضها أحمد الأحمد

السردية الإسرائيلية التي دحضها أحمد الأحمد

السردية الإسرائيلية التي دحضها أحمد الأحمد

 لبنان اليوم -

السردية الإسرائيلية التي دحضها أحمد الأحمد

بقلم:عمرو الشوبكي

عملية سيدني التي استهدفت مواطنين أستراليين يهوداً أدانها الجميع، عرب وعجم، شرق وغرب، ورفضها أشد المؤيدين للقضية الفلسطينية، لأنها اعتدت على مواطنين مدنيين بسبب ديانتهم اليهودية، بعد أن وقع الأب وابنه في براثن الأفكار المتطرفة وقاما بعمل إرهابي مدان.

يقيناً الفكر الداعشي الذي استدعي بسببه للتحقيق أحد منفذي الجريمة وأطلق سراحه لعدم ثبوت الأدلة، يمثل عبئاً ليس فقط على القضية الفلسطينية إنما أيضاً على العرب والمسلمين، وأعطى مبررات لقوى اليمين المتطرف في الغرب وإسرائيل لكي تحاول أن تلصق بالمسلمين صفة الإرهاب، وعدّته يرجع لمشكلة بنيوية في عقيدتهم وتفكيرهم وليس حالة انحراف شاذة رفضها عموم العرب والمسلمين واكتووا بنارها أكثر من غيرهم.

والحقيقة أن رد فعل دولة الاحتلال على هذه العملية كان جاهزاً ومتناقضاً في الوقت نفسه، فمن ناحية تتبنى الحكومة الإسرائيلية موقفاً استئصالياً ليس فقط من حركة «حماس»، إنما أيضاً من أهل غزة لأسباب دينية وعرقية، فهي تعاديهم لأنهم فلسطينيون وليس لكون بعضهم يحمل السلاح.

إن تصريحات بعض قادة إسرائيل عن إبادة سكان غزة أو إلقاء قنبلة نووية عليهم عكست موقفاً «وجودياً» يرفض وجودهم على أرضهم لكونهم عرباً وفلسطينيين، وهي تقريباً «النظرة الداعشية» نفسها لخصومها الذين تعاقبهم بالقتل حتى لو كانوا مسلمين.

عملية سيدني كانت فرصة لإسرائيل لاستدعاء المظلومية والعداء للسامية، وكيف أنَّ اليهود مستهدفون من قبل العرب والمسلمين لأنهم يهود، وأنَّ إسرائيل مستهدفة من قبل «الإرهاب الإسلامي» (كما يصفه قادة إسرائيل) لأنَّها دولة يهودية وليس لأنَّها آخر دولة احتلال استيطاني في العالم. والحقيقة أنَّ هذا التدخل الشجاع والإنساني للشاب الأسترالي من أصول سورية، أحمد الأحمد، ضرب في مقتل السردية الإسرائيلية التي تنتظر الفرصة لكي تنشر خطاب الريبة والعداء ضد العرب والمسلمين في كل العالم، وتعدّهم «إرهابيين محتملين»، وأنَّ اليهود في كل مكان ضحايا لهذا الإرهاب.

والحقيقة أنَّ السردية الإسرائيلية التي تنطلق من «الوصمة الثقافية» للعرب، وفي قلبهم الفلسطينيون، والتي تقول إن بنيتهم الفكرية والدينية تشجع على الإرهاب، ذهبت أيضاً في اتجاه التفسير الاجتماعي/ السياسي لهذه العملية بالقول إنها جاءت أيضاً بسبب اعتراف أستراليا بالدولة الفلسطينية وقبولها بالمظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية وإدانتها للجرائم الإسرائيلية في غزة التي شجَّعت على نشر أجواء العداء للسامية.

وفي العلم والخيارات السياسية، حقل التفسير الثقافي والأحكام القيمية له أنصاره ورجاله في أقصى اليمين، كما أنَّ التفسير السياسي/الاجتماعي له أيضاً أنصاره ورجاله من قوى مستنيرة وليبرالية، ترفض أي حكم قيمي على الشعوب والأديان والحضارات المختلفة سواء كانوا يهوداً أو مسلمين أو مسيحيين. إنَّ إدخال الاعتبارات السياسية والاجتماعية في فهم ظواهر العنف والإرهاب هو من أجل تفسيرها وليس تبريرها، فمثلاً من الصعب القول إنَّ التنظيمات العنيفة والمسلحة في الأراضي الفلسطينية يرجع وجودها فقط أو أساساً إلى أسباب عقائدية، نتيجة غوص بعض الأشخاص في تفسيرات دينية متشددة تبرر العنف بمعزل عن الواقع السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي يدفعهم إلى حمل السلاح واختيار المقاومة العنيفة.

صحيح أنَّ الحكومة الإسرائيلية المتطرفة مستعدة أن تمارس تلفيقاً في مجال الأفكار والمواقف السياسية من أجل تكريس سرديتها المضللة. فهي دائماً تختار السردية الثقافية التي تقول إنَّ الفلسطينيين (وليس فقط «حماس») بحكم الفطرة «إرهابيون»، وهي تحارب الإرهاب، وتنسى أو تتناسى أنها قوة احتلال.

إنَّ ظهور المواطن الأسترالي البطل أحمد الأحمد ذي الأصول العربية السورية، نسف بالكامل سردية إسرائيل و«حبايبها» من قوي اليمين المتطرف، التي تحاول تكريس أنَّ العرب والمسلمين غير قابلين لأن يندمجوا في المجتمعات الديمقراطية المتقدمة، نتيجة إرثهم الحضاري ودينهم الإسلامي، وأنهم جميعاً «إرهابيون محتملون»، فظهر أحمد الأحمد، ليس فقط في صورة البطل الذي واجه بصدر عارٍ الإرهاب، إنَّما أيضاً تعامل مع المهاجم بإنسانية لا تعرفها الحكومة الإسرائيلية وأخذ منه السلاح ولم يقتله، وترك مهمة التعامل معه لقوات إنفاذ القانون.

تحرك أحمد بفطرته السلمية بوصفه إنساناً ومواطناً أسترالياً يرفض أن يتفرَّج على أذى الناس مهما كانت ديانتهم، وتحركت في عروقه النخوة والشجاعة الراسخة في الثقافة والقيم العربية. تصرف أحمد الأحمد الفطري نسف سردية التعميم والأحكام القيمية على العرب والمسلمين، وكونه الوحيد الذي تحرك ليس صدفة فهو يعني أيضاً أنَّ الغرب في حاجة إلى هذا الرافد الجديد من المواطنين الغربيين ذوي الأصول العربية، لأنهم أحيوا قيماً ومبادئ تراجعت في المجتمعات الغربية من شجاعة ومساعدة الغير، وأنهم أيضاً أصحاب فطرة سليمة، فهم يحاربون الإرهاب مثل غيرهم ويدحضون الرواية الإسرائيلية التي تضع العرب والمسلمين في قفص الاتهام الحضاري والديني.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السردية الإسرائيلية التي دحضها أحمد الأحمد السردية الإسرائيلية التي دحضها أحمد الأحمد



GMT 19:39 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«حزب الله» خسر الحرب ويريد الربح في السياسة!

GMT 19:38 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«الست»

GMT 19:37 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«الانتقالي» فتح عشَّ الانفصاليين

GMT 19:37 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

عذابات الملياردير الرقمي!

GMT 19:36 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

صهيونيّتان وإسرائيلان؟!

GMT 19:35 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

عن توقيت المعارك

GMT 19:33 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

التجاهل والتعامي بوصفهما حرفةً

GMT 19:32 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

سعاد النابغة

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 20:40 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

الفلفل الحار وتأثيره على صحة البروستاتا
 لبنان اليوم - الفلفل الحار وتأثيره على صحة البروستاتا

GMT 20:31 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين
 لبنان اليوم - تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين

GMT 09:53 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات تمنح منزلك الدفء وتجعله أكثر راحة

GMT 21:19 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة الطليعة" تعاقب اللاعبين بعد تدهور النتائج"

GMT 02:55 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

أندية الأردن في أزمة كبيرة بسبب ملاعب التدريب

GMT 07:25 2024 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

توقعات برج العقرب لعام 2024 من ماغي فرح

GMT 17:55 2023 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

الباركيه في غرف النوم يمنحها الدفء والجاذبية

GMT 17:06 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

جنيفر ميتكالف ترتدي جاكت دون ملابس داخليه

GMT 15:16 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

قرداحي استقبل السفير التونسي وجرى البحث في الاوضاع العامة

GMT 17:29 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تصميمات Lanvin من وحي الخيال

GMT 11:27 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

جاستين بيبر يستقبل عام 2021 بتحوله لـ"ملاكم" في كليب "Anyone"

GMT 05:03 2016 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

"Roberto Cavalli" تطرح مجموعة من المجوهرات لعام 2017

GMT 06:30 2013 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

العمل مع "الزعيم" شرف كبير وأنا لست إعلاميًا

GMT 14:20 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

اجتماع لوزراء الصحة الأفارقة حول لقاح كوفيد ـ 19

GMT 14:47 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

النفط يبلغ أعلى مستوى منذ شهور وخام برنت 53.17 دولار للبرميل

GMT 03:53 2015 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

جزيرة فوليجاندروس أجمل مكان لمشاهدة غروب الشمس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon