تبرئة دولة الفساد ومعاقبة المودعين

تبرئة دولة الفساد ومعاقبة المودعين!

تبرئة دولة الفساد ومعاقبة المودعين!

 لبنان اليوم -

تبرئة دولة الفساد ومعاقبة المودعين

بقلم : راجح الخوري

يغادر وفد صندوق النقد الدولي لبنان اليوم الجمعة أو غداً، بعدما أجرى جولة ثالثة من المفاوضات، التي لم تؤدِ إلى أي نتيجة عملية، تسمح للصندوق بأن يباشر في عملية منهجية تساعد لبنان على النهوض، وتتزامن مع خطة إصلاحية ليس من الواضح أن المسؤولين في لبنان يريدون الانخراط فيها، لأن من المفهوم تماماً أن الإصلاح يفترض أن يبدأ بالمنظومة السياسية التي نهبت البلاد.
لم يكن ممكناً الحديث قطعاً عن أي عملية إصلاحية تتزامن مع مرحلة الانتخابات النيابية، لأنها ستنعكس بمتطلباتها وشروطها الخانقة، على شعبية المرشحين لهذه الانتخابات، سواء كانوا من منظومة الفساد السياسي، التي نهبت البلد وأفقرت الناس، أو حتى من القوى الأخرى التي ترفع شعارات الإصلاح أو من الذين يرفعون شعارات الثورة المسحوقة بالقوة والترهيب في 17 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019.
ولهذا فإن الرهان يبقى على أن تفرز الانتخابات أكثرية جديدة، تكون قادرة على التجاوب مع شروط صندوق النقد الدولي الإصلاحية، التي يفترض عملياً أن تجرّ معظم الطبقة السياسية الفاسدة إلى السجون، لا أن تبقى على قاعدة استنسابية كما يحصل الآن ويثير مشكلة معقدة بين بعض السلطة القضائية وجمعية المصارف.
لكن المفاجأة جاءت يوم الثلاثاء الماضي عندما أعلن نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي أن «الدولة اللبنانية مفلسة ومصرف لبنان مفلس» (المعروف أن فجوة الخسائر تتجاوز ستة وسبعين ملياراً). وأضاف «ليس من تضارب في وجهات النظر حول توزيع الخسائر لسد هذه الفجوة، وأنه سيجري توزيعها على الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين»!
غريب، فلقد كان هذا الكلام بمثابة قنبلة أشعلت الوضع، من منطلق واضح وهو: إذا كانت الدولة مفلسة وكذلك مصرف لبنان، فكيف يمكن مجرد التفكير في تحميل الناس وزر هذا الدين الهائل، في وقت يستمر فيه المسؤولون في الضحك على ذقون المواطنين بالقول إنهم حريصون على «صغار المودعين»؟!
طبعاً لا يغيب عن فريق صندوق النقد الدولي، أنه يخوض تجربة معقدة في بلد الغرائب، الذي بلغ فيه إفلاس الدولة هذا الأسبوع حد الإعلان عن استدانة 17 مليون دولار لتسديد أكلاف مولدات الكهرباء الخاصة، التي ستستخدم يوم الانتخابات في 15 مايو (أيار).
وإضافة إلى هذا لا ينسى المسؤولون عن الصندوق ذلك الاجتماع الحكومي العجيب في القصر الجمهوري أيام حكومة حسان دياب، يوم أعلنت أنها قررت الامتناع عن دفع ديون لبنان التي كان قد أصدرها باليوروبوند، وهو ما أعطاه صورة بلد لا يحترم التزاماته، لا بل إن دياب اعتبر يومها أن هذا القرار هو بطولة فيما هو عملياً تنصل غوغائي من المسؤولية على مستوى الدولة!
وعلى هذا كان ظاهراً أن فريق صندوق النقد تعمد في زيارته الثالثة إلى لبنان، وبعد لقائه مع الرؤساء الثلاثة ومجموعة من الوزراء المختصين، أن يكتفي ببيان مقتضب أشار فيه إلى «إحراز مزيد من التقدم، لكن يبقى عمل مهم إذ يتعيّن القيام به، وهو صوغ برنامج إصلاحي يساعد لبنان والشعب اللبناني».
وعلى خلفية هذا الوضع قرر الوفد توسيع إطار مشاوراته لتشمل المرجعيات الممثلة للشعب بكل مكوناته ومؤسساته الاقتصادية، وعلى القواعد السياسية الرسمية والحزبية والجمعيات والشباب وفئات المجتمع المدني، لأن قواعد الإدارة في صندوق النقد، لا تقبل بأي توصية إن لم تكن تحظى بموافقة مختلف السلطات التشريعية والدستورية والتنفيذية، إضافة إلى القطاعات اللبنانية، وهذه الموافقة مطلوبة سلفاً بالإجماع قبل قرار الإقراض، وكي لا تلقى المبالغ التي سيتم إقراضها مصير الديون السابقة وبطولات حكومات المساخر!
وعلى هذا الأساس كان اجتماع الوفد الدولي يوم الثلاثاء الماضي مع مجموعة من الهيئات الاقتصادية، وفي ظل كلام سعادة الشامي الذي سبق له أن عمل عشرين عاماً في صندوق النقد، والذي سبق أن تحدث عن إفلاس الدولة ومصرف لبنان، بما يعني تالياً إبقاء عبء الدين على المصارف والمودعين، سمع مسؤول من بعثة الصندوق، هو أرنستو ريغو راميريز، كلاماً حاداً وقاسياً من ممثلي الهيئات الاقتصادية، فغضب وهدد بالمغادرة، ولكن هذا لم يمنع من تكرار طرح الأسئلة عليه: هل ستعطون القرض المنتظر لإنقاذ لبنان إلى الدولة المفلسة لكي يعود السياسيون أنفسهم إلى هدره مجدداً، أوَ ليس الأجدى البدء بالإصلاح ومعرفة مختلسي المال العام والفاسدين قبل أخذ جني عمر الناس؟
من الواضح أن الدولة تفاوض صندوق النقد بمنطق يحاول تحميل مسؤولية الإفلاس للضحايا لا للفاسدين، الذين يراهنون على أن تعيدهم الانتخابات إلى مواقعهم وأن تبعد عنهم أي شبح للإصلاح والمحاسبة.
وهذا واضح عندما يتبنى سعادة الشامي منطق صندوق النقد أصلاً، أي أن الدولة مفلسة وكذلك البنك المركزي، وأن من الطبيعي أن يقع عبء فجوة الدين على المودعين، وهذا ما يعني إبراء ذمة الفاسدين والاقتصاص من الأبرياء، في وقت يقول فيه عون إنه لن يترك منصبه وفي البلد فاسد واحد، وهو لم يضع في ستة أعوام، فاسداً واحداً وراء القضبان!
قبل فترة قال المسؤول السابق في صندوق النقد محمد الحاج، إنه إذا لم يتوصل المسؤولون اللبنانيون إلى اتفاق مع صندوق النقد، في شأن برنامج تمويل فإن البلاد ستواجه انهياراً كاملاً، وأوضح أن الأزمة الخانقة تماماً التي وصل إليها الوضع في البلاد هي نتيجة فشل مزمن عند مهندسي السياسات، منذ زمن عندما بدأ هؤلاء يتدخلون في إدارة السياسات النقدية وسياسات الصرف، بطريقة تخالف قانون النقد والتسليف الذي يمنح مصرف لبنان الاستقلالية المالية والإدارية، ثم كان ذلك الفشل المدمر في إدارة تدحرج الأزمات منذ أكتوبر عام 2019.
ويرى الحاج أن الوضع المأساوي الذي يواجه لبنان يأتي الآن في وقت تتفاقم وتتزايد فيه التوترات والأزمات الاقتصادية العالمية وترتفع أسعار السلع بشكل جنوني.
وليس من المبالغة القول إن لبنان حالياً وصل إلى المرحلة الأخيرة قبل الانهيار الاقتصادي الكامل، وهذا سيجر بالطبع كثيراً من حالات إفلاس المؤسسات واختفاء السلع وإقفال المصارف وتداعي نظام الدفع وتزايد نسبة العنف والجرائم.
ولعل هذا التوصيف الذي يقدمه الحاج، يشكل أفضل تصوير عملي للطريق المؤدي إلى جهنم، التي تحدث عنها عون قبل أشهر!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تبرئة دولة الفساد ومعاقبة المودعين تبرئة دولة الفساد ومعاقبة المودعين



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها

GMT 08:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الفحم للشعر وطريقة عمل قناع منه

GMT 00:39 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

نتائج مثيرة لما بحث عنه مستخدمو الإنترنت على "غوغل" في 2019

GMT 10:01 2022 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

أفكار في الديكور للجلسات الخارجّية الشتويّة

GMT 15:28 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج الحصان..ذكي وشعبي ويملك شخصية بعيدة تماما عن الصبر

GMT 18:44 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

إتيكيت وضع المكياج في الأماكن العامة

GMT 19:26 2019 الإثنين ,15 إبريل / نيسان

المصائب تتوالى على سان جيرمان أمام ليل
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon