«المشرق الإيراني» إلى متى

«المشرق الإيراني»... إلى متى؟

«المشرق الإيراني»... إلى متى؟

 لبنان اليوم -

«المشرق الإيراني» إلى متى

بقلم:نديم قطيش

بالسياسة والأمن والتعبئة، تجدد إيران إعلان ولايتها على المشرق العربي. وكل يوم تتأكد دقة التحذير الذي أطلقه عاهل الأردن الملك عبد الله بن الحسين، من «الهلال الشيعي»، في حديث عام 2004 لصحيفة «واشنطن بوست»، وأثار ما أثاره يومها من ردود ظلت حية لسنوات.

فقد شكل إطلاق النسخة العربية البصرية من نشيد «سلام فرمانده» الإيراني في لبنان بعنوان «سلام يا مهدي»، لحظة من اللحظات التعبيرية الفجة التي يعبر بها «الهلال الشيعي» عن هويته ووجوده كما عن انفصاليته الحادة عن بيئته. فالنشيد يتجاوز البعد العقائدي الإيماني لمجموعة من مجموعات الشرق المتعددة والمتنوعة... ولا يقف عند الحدود الوجدانية التي تثري المشهد الثقافي. بل هو مادة تعبئة سياسية وعقائدية مرتبطة بمنظومة سياسية محددة وإعلان مبايعة للجمهورية الإسلامية في إيران وقائدها علي خامنئي، بوصفه نائب المهدي وقائد مشروعه على الأرض، بالإضافة إلى مبايعة جنرالاته كعماد مغنية وقاسم سليماني بالاسم.
يمتلك النشيد كل عناصر الغيرية في زمن صراعات الهوية. أول هذه العناصر، اختراع هوية جديدة لمجموعة من الناس وربطها بتاريخ متخيل، وشحنها بالحنين إلى زمن وهمي، وتسييجها بالعداء لـ«هم» والخوف منهم على المصير والوجود... والـ«هم» فضاء هلامي متغير، قد يكون الخصم السياسي المحلي أو العدو الإقليمي أو أي جهة أو فكرة تخدم صناعة الخوف والعداء.
يتزامن السياسي والأمني مع التعبوي في إعلان الهيمنة الإيرانية على ما تيسر من سيادة المشرق العربي ودوله وشعوبه.
ففي حين كان الاجتماع الوزاري التشاوري العربي ينعقد في بيروت، بمشاركة عدد من وزراء الخارجية العرب وممثّلين عنهم، بعد أن كادت تنسى كل الروابط العربية بين لبنان ومحيطه، حطّت طائرة وزير الخارجية الإيرانية أمير عبداللهيان للقاء المسؤولين السوريين وقادة ما يسمى الفصائل الفلسطينية، وحلّقت مسيرات «حزب الله» غير المسلحة بالقرب من منشآت غازية إسرائيلية في المتوسط عند تخوم حقل كاريش. وبين الهبوط والتحليق، رسالة واضحة تفيد بإصرار إيران على تعطيل أي جهود عربية، ولو رمزية، للعودة الفاعلة إلى «المشرق الإيراني».
كأن تحذير الملك عبد الله الثاني وقد صار، أو تكاد، واقع المشرق اليوم من فلسطين التي ينتحل صفة قضيتها «الحرس الثوري» الإيراني، إلى لبنان الآخذ في التحول إلى «جمهورية مهدوية»، مروراً بسوريا، التي يتنامى التحاقها بإيران بعد انشغال روسيا في أوكرانيا، إلى العراق الممنوعة دولته وشعبه من الفكاك من اسر الهيمنة الإيرانية بقوة الميليشيات والسلاح، وصولاً إلى الأردن الذي لم تتوقف محاولات إيران لاختراقه، في مواجهة صمود قيادته ووعي نخبه.
اللافت في كل ما تقدم هو التنبه المبكر لمخاطر المشروع الإيراني، في مقابل المثابرة الإيرانية على تطوير المشروع ودفعه قدما وبأكلاف مهولة خبرها اللبنانيون والسوريون والعراقيون، نتيجة هدم عمرانهم ومدنهم وتمزيق أنسجة مجتمعاتهم ومحاولة شطب هوياتهم. وهذا ما يطرح وينبغي أن يطرح علينا أسئلة حارة وجارحة ومحرجة تنطلق كلها من سؤال واحد: إن كنا تنبهنا باكراً لخطر مشروع إيران، فلماذا نجحوا حتى الآن وكيف يمكن قلب المعادلة؟
الإيرانيون لا يمزحون فيما يصبون إليه. خلال زيارة محمود أحمدي نجاد إلى بيروت عام 2010، صدف خلال إحدى فعاليات الزيارة جلوس أحد مستشاريه الرئيسيين إلى جانب ناشر وصحافي لبناني مهم. في الحديث بين الرجلين الذي نقله لي الناشر لاحقاً، قال الضيف، إن «إيران لن تسمح ببروز صدام حسين جديد في المنطقة». وصدام حسين في الوعي الإيراني، كما ورد في حديث المستشار، يتجاوز شخص صدام أو بعثيته أو ما يحمله من أفكار سياسية... صدام هو كناية عن ميزان قوى في العقل الإيراني، ومعادلة سياسية عربية مواجهة لإيران ومستعدة لتحمل أكلاف المواجهة.
ما تطمح إيران لأن لا تسمح به، هو أن يكون في المشرق العربي معادلة تشكل وعياً ومصالح وسنداً لفكرة مختلفة عما تفكر فيه القيادة في طهران. ليس من باب الصدفة أن الإيرانيين كانوا بين الأكثر حماساً في المنطقة لإسقاط نظام صدام حسين، وعلى أيام الرئيس «المعتدل» محمد خاتمي. وكان منسق هذا الحماس مع الأميركيين «المعتدل» محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الأسبق.
كما ليس من باب الصدفة، أنه وبعد سنتين من إسقاط نظام صدام، قتلت ميليشيا «حزب الله» التابعة لإيران رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري لشطبه من معادلة المشرق العربي ومدار «الهلال الشيعي»! وكان توسط سقوط صدام حسين واغتيال رفيق الحريري وفاة ياسر عرفات، الذي شكّل رحيله فرصة لاختطاف الكوفية الفلسطينية، من قِبل جماعات إيران على ما سيتضح من خلال انقلاب حماس المستمر منذ 2007.
المشرق العربي يحتاج إلى استراتيجية جديدة، لها بدايةً ملامح مهمة في احتضان المعادلة السياسية في العراق والدفاع عن فرصتها لأن تتقدم وتنجح. ولها ملامح موازية في احتضان الأردن وتعزيز دفاعاته الاقتصادية والسياسية، لا سيما عبر الدعم الخليجي الإماراتي والسعودي لعمّان. تحتاج هذه الاستراتيجية إلى اختراقات في لبنان، على أبواب الانتخابات الرئاسية، وإلى اختراقات في فلسطين تهيئةً لما بعد قيادة محمود عباس، عبر دور مصري أولاً وخليجي ثانياً... أما سوريا فحكاية أخرى.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«المشرق الإيراني» إلى متى «المشرق الإيراني» إلى متى



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:23 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 19:07 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

عبير صبري تؤكد إلى أحمد مالك الأخلاق مش بتنفصل عن الفن

GMT 05:24 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

الجماعات الإسلامية" تشن حملة لتشوية الإعلام"

GMT 12:06 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «شماريخ» يتصدر شباك التذاكر بـ14 مليوناً و521 ألف جنيه

GMT 12:12 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة وواشنطن تدعمان عائلات متضرري انفجار مرفأ بيروت

GMT 15:19 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل فريدة ومميزة في مجموعة «كروز 2021»

GMT 15:37 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج القرد..ذكي واجتماعي ويملك حس النكتة

GMT 00:19 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فوائد حب الرشاد للشعر وطرق تحضير خلطات منه

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 06:49 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

تعرف علي توقعات درجات الحرارة المتوقعة في مصر الخميس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon