لبنان الرهينة وليس له أهل يسألون

لبنان الرهينة وليس له أهل يسألون

لبنان الرهينة وليس له أهل يسألون

 لبنان اليوم -

لبنان الرهينة وليس له أهل يسألون

د.مصطفى علوش
بقلم : د.مصطفى علوش

«إنّ أدنى مراتب الجحيم مرصودة لمن يتخذون موقف الحياد في المسائل ذات الطابع الأخلاقي». (دانتي)

في خضم حرب 2006 أتاني أحد المسؤولين في «حزب الله» لزيارتي في بيتي في طرابلس، وكان عليه أن يصعد خمس طبقات مع رفيقه، لأنّ الكهرباء كانت يومها مقطوعة. كان ذلك بعد سلسلة من المقابلات التلفزيونية التي هاجمت فيها تصرّف «حزب الله» غير المسؤول في شأن اختطاف الجنود الإسرائيليين، في وقت كان اللبنانيون ينتظرون موسم صيف واعداً، وكان ذلك بعد وعد لم يكن صادقاً من قِبل الأمين العام للحزب، بأنّ الصيف سيكون هادئاً. ولكن لِمَ سوء الظن؟ فقد يكون بالفعل صادقاً، فقد قال يومها «لو كنت أعلم بما سيلحق الناس من أذى لما كنت إتخذت القرار!». فهل خطر على بال أحد أنّه لم يكن هو من إتخذ القرار؟ وقد يكون قادة العسكر أو العمليات الخاصة هم من أخذوا القرار؟ وقد يكون هؤلاء، كما أصبح واضحاً، مرتبطين مباشرة بقيادة العمليات في طهران، من دون الحاجة للعودة إلى القيادة المحلية؟ ولو كان الأمر كذلك، لكنا صدّقنا أنّ الوعد بهدوء الصيف كان صادقاً! لكن ما لنا ولهذا الكلام المدسوس والمشكّك؟ ولنعد للزائرين.

قال أحد ممثلي «حزب الله» لي بالحرف: «إنّ تاريخك المقاوم، وتاريخ والدك الداعم للمقاومة، يضعاننا في موقع الاستغراب من هجومك على المقاومة ووصف العملية العظيمة بالمغامرة...». وأسهب طبعاً بضرورة دعم كل المقاومين للمقاومة وسيّدها، وإلى ما هنالك من كلام مُعاد ومُردّد إلى حدّ الضجر لمن هم مثلي، عاشوا مع هذا الكلام الذي قتل مئات الآلاف من أمثالي. ما قلته له، وهو ما وصلنا إليه اليوم بعد سنوات من الحرب، وهو أنّ الوضع الاقتصادي هو أولوية الناس، وأنّ فرصة الصيف الواعد كان من الممكن أن تؤجّل عملية الحزب إلى أول الخريف، ويكفي أن نرى النتائج المباشرة للعملية بدمار واسع وأرواح فقدناها... الجواب الغريب كان: «أولاً ما همّك بالأرواح فمن سقط هم من جماعتنا (أي الشيعة)؟ أما عن الدمار فالحكومة شاطرة في الشحادة، وسيذهب السنيورة ويقنع الدول العربية الخليجية بإعادة الإعمار...». لن أطيل الحديث عما أجبته.

الواقع هو أنّه من نكبة الدهر على بلد مثل لبنان أن يكون رهينة وضعت السكين على رقبتها، ولا من أهل يسألون عنها أو يشفقون عليها. المصيبة هي أنّ السكين الجاثم على رقبة البلاد والعباد يحمله بشر، أو ربما يكونون بشراً، أو نوعاً خاصاً من البشر؟ ولدوا وعاشوا في لبنان، ولا يبدو أنّهم يحملون أياً من المشاعر الإنسانية لا تجاه البلد ولا تجاه سكانه. ففي حرب 2006، وقبلها في محطات مماثلة عدة، كان لبنان وبشره وحجره رهائن، وكان بعض العالم يعتبر نفسه أهل لبنان، فكانوا يسرعون الى دفع الفدية لإنقاذ البشر، ويفتحون خزائنهم لإصلاح الحجر. لكن معظم هؤلاء يئسوا من رابطة القربى مع بلد لم يحمل بعض أهله ولو بعض العرفان لمن مد ّلهم يد العون في الشدائد، بل على العكس، فلم يتورع هؤلاء عن عضّ اليد التي امتدت للمساعدة، هذا عدا الشتائم والمؤامرات في الأمن.

اليوم بقيت فرنسا، وبغض النظر عمّا تريده من عودتها كأم حنون للبنان، فإنّ المبادرة الفرنسية هي الوحيدة الموجودة، وهي آخر ما يمكن التعويل عليه، ولو بأمل ضئيل، لوقف الانهيار السريع الذي يزحف ليأكل الأخضر واليابس، ويبتلع البشر والحجر. ومع ذلك فهناك من ما زال يحمل السكين على الرقاب، بمنع إمكانية تأليف حكومة قادرة على التعاون مع المبادرة الفرنسية، وإقناع من هم راغبون، أو قادرون على المساعدة، بأنّه ما زال في لبنان من يهتم لبقائه على قيد الحياة، وأنّ له أهلاً يسألون عنه.

لا علاقة للعقوبات على من وقعت عليهم العقوبات بتركيبة الحكومة، ولن يؤدي القبض على السكين على رقبة البلد إلى رفع العقوبات، ولا حتى التخفيف منها، بل ربما سيزيد ذلك من وطأتها. فمن وضع العقوبات لا يأبه بما سيحصل للرهينة، كما أنّ من كان يأبه سابقاً، لم يعد مهتماً لا بالرهينة ولا بأهلها. ببساطة، لن يجدي الوزير جبران باسيل نفعاً أن يمسك السكين محتفظاً بالبلد كرهينة، لا بل على العكس، فهو بذلك يوجّه السكين إلى ذاته، فما نفعه من موت البلاد، وعلى ماذا سيكون رئيساً إن لم يكن هناك بلد يرأسه؟ أما كان من الممكن مثلاً أن يضحّي بالفعل لا بالقول، ويربّح الناس جميلة الموقف الإنساني الوطني؟ المصيبة هي في تلك النرجسية الفاقعة والخبيثة، إلى درجة نحر الجميع وجرجرتهم إلى جهنم رغم أنفهم، وذلك على طريق السقوط الشخصي السياسي والأخلاقي. أما من يقول له كفى؟ وهل من يأخذ موقفاً في مسألة ذات طابع أخلاقي؟ الكارثة هي أنّ الأكثرية تتصرف في لبنان على طريقة لويس الخامس عشر، في أنّ «من بعدنا فليأتِ الطوفان»، فهل يكون مصيرهم مثل مصير لويس السادس عشر، فتتحرّر الرهينة كما تحرّرت فرنسا عام 1789 من خاطفيها؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان الرهينة وليس له أهل يسألون لبنان الرهينة وليس له أهل يسألون



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:12 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول
 لبنان اليوم - اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول

GMT 00:46 2016 الخميس ,25 آب / أغسطس

وصفة طبيعية لتحصلي على أكواع بيضاء

GMT 22:53 2017 الجمعة ,21 تموز / يوليو

الشهري يستقيل من تدريب فريق النهضة السعودي

GMT 22:47 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

جورج قرداحى يسلم جائزة "اسم من مصر" للفائز

GMT 07:07 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

كارول سماحة تنتهي من تصوير "وحشاني بلدي"

GMT 15:56 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

الموضة الرائجة للبلوزات خلال موسم ربيع وصيف 2022

GMT 10:56 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

وزير مصري سابق يؤكّد أنّ أعراض "كورونا" تختلف بحسب الطقس

GMT 10:35 2015 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

مقتل شخصين وإصابة 300 في إعصار عنيف ضرب تايوان

GMT 21:46 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تكشف عن تعرضها للتحرش الجنسي في إحدى حفلاتها
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon