ماذا بعد

ماذا بعد؟

ماذا بعد؟

 لبنان اليوم -

ماذا بعد

د.مصطفى علوش
بقلم : د.مصطفى علوش

«وكُلُّ بِساطِ عَيشٍ سَوفَ يُطوى

وَإِن طالَ الزَمانُ بِهِ وَطابا

كَأَنَّ القَلبَ بَعدَهُمُ غَريبٌ

إِذا عادَتهُ ذِكرى الأَهلِ ذابا

وَلا يُنبيكَ عَن خُلُقِ اللَيالي

كَمَن فَقَدَ الأَحِبَّةَ وَالصَحابا

ومن يغتر بالدنيا فإني

لبست بها فأبليت الثيابا»

(أحمد شوقي)

في البداية، عليّ أن أعترف أنّ من حق الوزير السابق جبران باسيل الاحتجاج على انتقائه من بين عصابات الفاسدين في لبنان وفرض العقوبات عليه. فإن كان الأمر مرتبطاً بقانون «ماغنيتسكي» فكان على العقوبات أن تطاول الأكثرية الساحقة من المسؤولين. وربما لو توسعت القاعدة لشملت أيضاً نصف الشعب اللبناني المستفيد، ولو قليلاً وبالفتات، بالمقارنة مع الحيتان الكبار. فالقضية سياسية إذاً، وهذا أمر واضح للعيان، لكن هذا الأمر السياسي لم يكن ليكون لولا وجود معطيات كافية لافتراض واقعة الفساد، التي لا يمكن تبرئة أي من المسؤولين منها من دون أن يثبت العكس بنحو قاطع. يعني أنّ كل من تولّى المسؤولية على مختلف الأصعدة متهمٌ حتى تثبت براءته، وليس العكس.

ما لنا ولكل ذلك، فقد فنّد الوزير المعاقب دفاعاته أمام المحازبين، وهم الذين سيتفهمون حتى أي تهمة أو إثبات لفساد على قائدهم، على أساس أنّه فساد لدعم قضية محقة. استرجاع الحقوق مثلاً، أو كما قال يوماً إنّ الآخرين لهم سنوات في السلطة والفساد و»أتى دورنا الآن»، أو بقوله إنّه «شاطر» كفاية ليصبح ثرياً ويمتلك طائرة خاصة «مثلي مثل غيري». وكما يقول المثل اللبناني المغرق بالنفاق والابتذال «حلال على قلب الشاطر». وهذا ما يقوله عادة مؤيّدو الزعامات المماثلة في مسارها منذ الاستقلال من قِبَل من يؤيّدها، إما طائفياَ، أو مذهبياً، أو سياسياً، أو حتى لمجرد أنّ هذا الزعيم أو القائد أو المسؤول ترك لهم بعض الفتات، بغض النظر عن الطائفة والحزب والتوجّه السياسي. ولو راجعنا بعجالة الملف، لقلنا مع السيد المسيح «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بأول حجر». فماذا عن ملف صندوق الجنوب والمهجرين ومجلس الإنماء والإعمار والجيش وقوى الأمن والقوى الأمنية الأخرى والمرافئ والمطار وكل الوزارات والمؤسسات، كمصلحة الليطاني والتبغ والسكك الحديد ومنشآت النفط... سلسلة مخجلة ومضنية في تشعباتها المذهبية والطائفية المتشابكة مع الفساد المعمّم. ولكن، لأسباب نبيلة، فمعظم الحيتان الكبار، أو الأفضل القول أسماك القرش المفترسة، كانت تترك للسمكات الأخرى، من جماعتها، أو من جماعات أخرى لتكسر عينها، ما فاض عنها من أشلاء بلد لم يبق منه من يخبّر.

ولكن، كالعادة استفضت في الثرثرة المرة بمرارة أيوب في الوجود، ولم أصل إلى لبّ السؤال في العنوان «ماذا بعد؟»..

كما يبدو أنّ الجميع يتصرّف على أساس «أنا الغريق وما خوفي من البلل»، فتفكّك البلد لم يعد هاجساً لبعض المسؤولين، لا بل قد يكون مطلباً اليوم على أساس القول المعروف «يا بيكون لبنان متل ما بدنا أو عمره ما يكون». فقد استغرق كثيرون في خياراتهم المؤقتة وزواجات المتعة لغايات في نفس يعقوب، لكن طريق العودة من تلك الخيارات أصبحت صعبة، ولم يعد من الممكن اليوم اللعب على حبلي الشرق والغرب كما يدعو البعض، ولم يعد الوجود المسيحي هاجساً للغرب كما كان الاعتقاد السائد، أنّ الحفاظ على لبنان ضرورة كونية. فما يهمّ الغرب والشرق هو المصالح التي لا دين لها، ومن يؤمّنها يصبح مؤمناً مسالماً محباً للإنسانية، ومن يضرّ بها يصبح داعشياً.

ماذا الآن إذا؟ أظن أنّ تفكك لبنان 1920 أصبح قاب قوسين أو أدنى. فقد يكون هذا التفكك مطلباً محلياً للقبائل اللبنانية التي تعبت من العيش معاً، وضجرت من حلم البطريرك الحويك، وسئمت من إعادة قراءة رسالة قداسة البابا يوحنا بولس الثاني عن لبنان! محاولة وحيدة اليوم هي حكومة مستقلة قد تنجح في وقف الانهيار وتأخير التفكّك، أو جعله أقل عنفاً إن أصرّت القبائل المتشاركة قسراً في الوجود على هذه البقعة الضيّقة من الأرض على الافتراق بسلم. ومن لا يفهم معنى تفكّك الدولة فهو يعني زوال آخر المؤسسات التي تحفظ الوحدة، وهي القوى الأمنية. يعني أنّه لنتصور أنّ الدعم على كل شيء توقف، لنفاد الاحتياطي في مصرف لبنان، فمن من أفراد القوى الناظمة للأمن سيتمكن من الذهاب إلى الدوام، وكيف ستكون حال الشوارع والمؤسسات الصحية والغذائية...؟ قد يظن البعض أنّه أكثر حصانة من غيره، أو أنّه قد احتاط لهذا الاحتمال؟ لكن هذا النوع من الأمور لا يمكن حسبان تداعياته أبداً، مهما احتاط هذا البعض. وقد يظن البعض الآخر أيضاً اليوم، أنّه بعد العقوبات الحالية، او تلك المنتظرة، عليه أن يتمسّك بلبنان كرهينة بيده، أو بمفتاح أغلال الحكومة المنتظرة حتى يتحصّن بها، فهو واهم، لأنّ لا أحد سائل عن الرهينة إن ذهبت أم بقيت، ومن سأل عنا في السابق فقد ضجر من استخفافنا وخبلنا ونرجسيتنا التي لا يفوقها شيء، وهي تلك النرجسية الخبيثة التي تدفعنا إلى التدمير الذاتي.

إن أردنا الفراق، وهي الإرادة المموهة اليوم بمشاريع كثيرة عنوانها الحياد حيناً، واللامركزية الموسعة إلى الفيدرالية، أو حتى إلى التقسيم، فلا بأس، لأنّ كل مكونات القبائل أصبحت مستعدة للمحتوم، إلّا بعض الحالمين السورياليين أمثالي بوطن متعدّد. لذلك، ولتفادي المزيد من الموت والدمار، فلننشئ حكومة تدير الأمور وتبدأ بمفاوضة صندوق النقد الدولي، على نية تأخير الانهيار والسعي وراء عقد اجتماعي يتفادى زهق أرواح الناس ودمار البنيان، ولنكن واضحين لمرة واحدة في حياة بلدنا: هل نحن نريد العيش معاً أم لفراق بالمعروف؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا بعد ماذا بعد



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:23 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 19:07 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

عبير صبري تؤكد إلى أحمد مالك الأخلاق مش بتنفصل عن الفن

GMT 05:24 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

الجماعات الإسلامية" تشن حملة لتشوية الإعلام"

GMT 12:06 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «شماريخ» يتصدر شباك التذاكر بـ14 مليوناً و521 ألف جنيه

GMT 12:12 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة وواشنطن تدعمان عائلات متضرري انفجار مرفأ بيروت

GMT 15:19 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل فريدة ومميزة في مجموعة «كروز 2021»

GMT 15:37 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج القرد..ذكي واجتماعي ويملك حس النكتة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon