في دراسة التطرف ومكافحته

في دراسة التطرف ومكافحته

في دراسة التطرف ومكافحته

 لبنان اليوم -

في دراسة التطرف ومكافحته

بقلم: رضوان السيد

كتبتُ في الأسبوع الماضي بصحيفة «الاتحاد» عن المؤتمر الذي عقدته دار الإفتاء المصرية و«مركز سلام» فيها عن تشخيص داء التطرف ومكافحته. وفي الأيام الماضية قرأتُ مقالاتٍ لعبد الله بن بجاد العتيبي ومحمد الرميحي عن الظاهرة ذاتها ووسائل وطرائق مكافحتها.

وكان اهتمام الصديقين بإمكانيات وقدرات وتجارب الاستدامة للظواهر والأفكار الصحوية وعدم الاستخفاف باستمرار العمل والمكافحة، وعدم الاغترار بالخفوت المؤقت أو التحول الخادع. وأنا مقتنعٌ بأنّ القصة مع التطرف لم تنته بعد، وبأنّه على المؤسسات الدينية والمثقفين والإعلام واجباتٌ ومهام لا بد من أدائها لجهات التشخيص وإيضاح الأخطار على الأمن الفكري والاهتمام بقضايا التأهل والتأهيل، وتصحيح المفاهيم الدينية وتحريرها.
لقد لاحظتُ قبل أيام وأنا أستعرض رسائل وأطروحات طلاب الدراسات العليا في المعاهد والكليات الإسلامية في العقود الثلاثة الأخيرة هذا التركيز على الأعمال حول مقاصد الشريعة. وهو مبحثٌ جليلٌ بدأ في أواخر القرن التاسع عشر باعتباره داعيةً لفتح باب الاجتهاد، وإنجاز التجديد في تأمل المسائل الكلامية والفقهية التقليدية.
وقد استعرضتُ في عددٍ من الدراسات مسارات هذا المبحث خلال القرن العشرين، ومدى فعاليته في التحرر والتحرير، وذلك بنقل البحث في الاجتهاد والتجديد من الطريقة القياسية الضيقة والمتشظية إلى المعنى العام للدين والشريعة ومقاصدهما في صون«المصالح الضرورية» للحياة الإنسانية.
لكنّ العقود الأخيرة شهدت استيلاءً على هذا المبحث أو التفكير بالدين من جانب الصحويين وجماعات الإسلام السياسي. فاستناداً إلى تشخيص آخر مسيَّس لعلاقات الدين بالمجتمع، والدين بالدولة، صار هذا المجال البحثي منطلقاً للحديث عن نهجٍ إسلامي كامل يكون سبيلاً مباشراً في تطبيق الشريعة في التصور الجديد واستعادتها إلى المجتمع والدولة! ويتأسس ذلك على مقولة افتقاد المشروعية غفلةً أو تآمراً وضرورة استعادتها إنفاذاً للدين واعتبار أنّ الدولة لا تعود إسلاميةً إلاّ إذا اعتبرت مهمتَها الرئيسيةَ القيامَ بذلك!
ولا أُبالغُ إذا قلتُ إنه منذ ثمانينيات القرن العشرين كُتبت مئات الأُطروحات في المقاصد باعتبارها المدخل لتطبيق الشريعة. وصارت لذلك ثلاث شُعَب: الشعبة المعنية بمعنى الدين وأهدافه، والشعبة المعنية بربط المقاصد بالأخلاق، وأخيراً الشعبة المعنية بالاشتراع أو تحويل الدين(= الشريعة) إلى قوانين! بالاستيلاء الصحوي على هذا المجال في التفكير بالدين سادت مغالطاتٌ كبرى.
إذ ما هي الشريعة؟ هي عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات، وهي سائدةٌ في حياة المسلمين وليست غائبةً حتى تحتاج إلى استعادة. ثم إنّ النظام السياسي في المجتمعات الإسلامية، كما في غيرها، لا تقوم شرعيته على تطبيق أحكام الدين وليس ذلك من مهامّه. بل مهمته إدارة الشأن العام وحماية مصالح الناس، وعلى النجاح في تلك الإدارة تنمو الشرعية وتتدعم. ثم مَن يقول إنّ الدين يمكن تطبيقه بتحويله إلى قوانين؟! لقد ظهرت في أواخر الدولة العثمانية فكرة «تقنين الفقه» تشبهاً بالقوانين المدنية، ثم فجأةً وفي النصف الثاني من القرن العشرين، تصاعد الحديث عن تقنين الشريعة باعتبار ذلك السبيلَ الوحيدَ لتطبيقها كأنها غائبة أو مهملة ولا بد من فرضها بقوة القانون! وهكذا صارت إقامة الدولة الدينية واجباً لأنها ضروريةٌ لإقامة الإسلام!
لقد ذكرتُ هذه الفذلكة المضنية للدولة الدينية في الفكر الإسلامي المعاصر والتي قام بها الصحويون الحزبيون باستخدام مقاصد الشريعة تارةً، وباستخدام صورتهم المخترعة للتاريخ البعيد تارةً أخرى. وهو التصور الذي كسب جمهوراً أفادت في الحصول عليه والوصول إليه متغيرات الوعي، وتأزمات الحداثة وما بعدها في القرن العشرين الذي انقضى وما انقضت آثاره واستنزافاته. وهو التصور الذي غذّى التطرف، وأفضى إلى العنف باسم الدين في كثيرٍ من مجتمعاتنا ودولنا.
أين نحن الآن؟ لقد تحطمت موجة الأسلمة المصنوعة خلال أكثر من نصف قرن.
بيد أنّ الآثار ما تزال مستقرةً في الوعي والتصرف، ولا بد من العمل الديني والفكري والثقافي والإعلامي من أجل استعادة السكينة في الدين، وتجديد تجربة الدولة الوطنية، وتصحيح العلائق مع عالم العصر وعصر العالم.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في دراسة التطرف ومكافحته في دراسة التطرف ومكافحته



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية

GMT 00:31 2021 السبت ,13 آذار/ مارس

تخفيض سعر تعرفة فحص الـPCR الى 100 الف ل.ل!
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon