وداع لائق لميركل

وداع لائق لميركل

وداع لائق لميركل

 لبنان اليوم -

وداع لائق لميركل

عبير بشير
بقلم : عبير بشير

دخل العالم عامه الجديد 2021 مع غيابين كبيرين: الشعبوي والمهرج دونالد ترامب الذي شوه صورة أمريكا، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تغادر بعد أربع ولايات ناجحة، وكأقوى امرأة في العالم، حيث احتلّت ألمانيا في عهد ميركل أوروبا اقتصادياً.

ولا أحد تصور في خريف 2005، بعد فوز ميركل الشاق على المستشار الاشتراكي الديمقراطي جيرهارد شرودر، أن تستمر ولايتها أربع دورات. ولكن ميركل نجحت، وباتت برأي أنصارها «زعيمة العالم الحر» خصوصاً بعد فوز ترامب بالرئاسة في الولايات المتحدة، وخلال أحد عشر عاماً من السلطة، نجحت ميركل في فرض أسلوبها الخارج عن الأنماط المعروفة، أسلوب يمزج بين الذكاء الشديد في خوض علاقات القوة، والبراغماتية القصوى.

وهي ووفقاً لمعايير لمواطنها ماكس فايبر، تعد برأي كثيرين قائداً حقيقياً، لأنها تتمتع بثلاث صفات ضرورية للقيادة، هي العاطفة المتقدة والشعور بالمسؤولية والإحساس بالتناسب. القائد صاحب قضية، ويتسم الذين تُعقد لهم القيادة السياسية بالشجاعة الأخلاقية وبإحساس داخلي بالهدف مع القدرة على إصدار الاحكام الواعية وشعور عميق بالمسؤولية. تتضافر هذه الصفات لإنتاج سياسيين يستطيعون «أن يضعوا يدهم على عجلة التاريخ».

ودرج المستشار الألماني الراحل هلموت كول، المهندس السياسي الذي وحَّد بلاده قبل ثلاثين عاماً بشقيها الغربي والشرقي، على وصف ميركل بـ»التلميذة» التي يفخر بها، وكم كانت نجيبة وعند حسن توقعاته. ولكن «الماما ميركل» تسلم الراية اليوم الى وريثها رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي أرمين لاشيت، بعدما فاز برئاسة الحزب وهو الذي يعرف  بهدوئه الشديد، وبراغميته، وأنه يقود سياسة ترحيبية باللاجئين، على غرار ميركل.

وثمة من يصف لاشيت بالنسخة الذكورية لميركل، والذي ينتمي لمدرستها السياسية، وإنه سياسي محترف على غرار ميركل، وعلى اعتبار أن السياسة حرفة على حد رأي ماكس فايبر.
ففي عام 1919، وقد خسرت ألمانيا في الحرب الأولى، ألقى المفكر والسوسيولوجي الألماني ماكس فيبر في جامعة ميونيخ محاضرتين، بعنوان العلم باعتباره حرفة، والسياسة باعتبارها حرفة.

في المحاضرة الثانية تحدث فايبر عن موضوعة القيادة والحياة السياسية. قال لهم إن السياسة شكل متميز من أشكال النشاط، له أحكامه القاسية، وهي تعني صراعاً متواصلاً بين قادة ونخب حزبية. وتحدث عن ظهور السياسي المحترف، والقائد الذي تحيطه مجموعة متوسعة ومتجددة من المحترفين.

 وكما فاجأت أميركا العالم بانتخاب أوباما الملون للرئاسة، وهو خريج هارفارد، عادت وفاجأت العالم باندفاعة شعبوية هي خليط من الإنجيليات وحساسيات البيض المهمشين بالمدن الصغيرة، لقد وجد هؤلاء جميعاً ضالتهم من جديد في رجل هو أبعد ما يكون عن «الاحتراف» والتجربة السياسية، وهو دونالد ترامب. وتبعاً لنظرية فيبر في الاحتراف السياسي الأميركي، نجح الديمقراطي جو بايدن في رئاسة الولايات المتحدة، وبقيت المحترفة السياسية المستشارة ميركل لأربع دورات، قبل أن تقرر المغادرة.

ولكن وعلى كل حال، تغادر ميركل وهي تدرك، أن العولمة والهجرة والتكنولوجيا، أصبحت تطبع عصرنا الحالي، وهي من صنع الإنسان وليس من صنع الطبيعة.
ولم تكن قراءة ميركل لكتاب «تحول العالم» عابراً في حياتها، بل كان مفصلياً في تغيير رؤيتها لمفهوم الهجرة والعولمة والرقمنة والتكنولوجيا، وقد كانت من المؤيدين لسياسة فتح الأبواب نحو المهاجرين، رغم أن ذلك وضعها في مواجهة مع كثير من الحلفاء الأوربيين، وحتى داخل حزبها.

في فترة نقاهتها بعنوان «تحوّل العالم»، فبعد تعرض ميركل لحادث تزلّج عام 2013، قرأتْ مجلداً عن القرن التاسع عشر بقلم المؤرّخ يورغن أوسترهامل، والذي كان له وقع كبير عليها، وخصوصا أنه يتلاقى مع قناعاتها الذاتية.

وبعد بضعة أشهر، وجّهت ميركل دعوة إلى أوسترهامل لحضور حفل عيد مولدها الستين، ليس فقط للمشاركة في الاحتفال إنما أيضاً لإلقاء محاضرة لمدة ساعة. كان موضوع المحاضرة «التاريخ والزمن»، ومَن هم مطّلعون على أعمال أوسترهامل يستشفّون تأثيره في نظرة ميركل إلى العالم، لا سيما في الجزء المتعلق بآرائه عن العولمة والهجرة والتكنولوجيا.
ويقرّ أوسترهامل: «أن  قلة من الأشخاص قرؤوا كتابي من بدايته حتى نهايته. وإنه أمر مدهش أصلاً أن يقرأ سياسيون كبار كتب تاريخ».

ويقول أوسترهامل إنه انطلاقاً من عدد قليل من المحادثات المقتضبة التي دارت بينه وبين ميركل، يمكنه أن يستشفّ أنها «فائقة الجدّية في موضوع الطريقة التي تطوَّرَ بها النظام العالمي (أو اللانظام العالمي) في المدى الطويل، ويبدو أنها تدرك، أي ميركل، أن للهجرة والحركية بعداً تاريخياً.

وبالطبع لا يمكن تخيل التاريخ بدون لحظات وداع مؤثرة، وهكذا ودعت المستشارة ميركل مواطنيها، في كلمة ألقتها إلى الشعب بمناسبة حلول عام جديد، وفي تعبير نادر عن مشاعرها قالت: دعوني أقل لكم شيئاً شخصياً في الختام: بعد تسعة أشهر ستجرى انتخابات برلمانية ولن أترشح مرة أخرى... ومن ثم فإن اليوم في جميع الحالات سيكون آخر مرة ألقي عليكم فيها كلمة بمناسبة العام الجديد.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وداع لائق لميركل وداع لائق لميركل



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 15:48 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

لا تتورط في مشاكل الآخرين ولا تجازف

GMT 09:49 2022 الجمعة ,11 آذار/ مارس

عطور تُناسب عروس موسم ربيع وصيف 2022

GMT 16:41 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لتناول غذاء صحي ومتوازن في أماكن العمل

GMT 03:47 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

تأجيل الاتفاق على الرقابة المصرفية لمنطقة اليورو

GMT 05:56 2012 الأربعاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

وزير الداخلية الأردني: سنعالج ملف العمالة الوافدة كلها

GMT 08:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الفحم للشعر وطريقة عمل قناع منه

GMT 00:39 2019 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

نتائج مثيرة لما بحث عنه مستخدمو الإنترنت على "غوغل" في 2019

GMT 10:01 2022 الأربعاء ,13 إبريل / نيسان

أفكار في الديكور للجلسات الخارجّية الشتويّة
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon