رسالة الفاتيكان في رمضان

رسالة الفاتيكان في رمضان

رسالة الفاتيكان في رمضان

 لبنان اليوم -

رسالة الفاتيكان في رمضان

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

منذ المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962 - 1965)، ووثيقة في «حاضرات أيامنا»، التي فتحت طريقاً جديدة بين المؤسسة الرومانية الكاثوليكية والعالم الإسلامي، تتوطد العلاقات بين الجانبين عاماً بعد الآخر، وقد درجت دائرة الحوار بين أتباع الأديان في الفاتيكان، على أن توجه رسالة تهنئة إلى العالم الإسلامي في رمضان من كل عام، وغالباً ما تكون ذات قيمة إنسانية مشتركة، تهم كل أصحاب النفوس الصالحة والضمائر النقية، وبهدف يصب في نهاية الأمر في مسارات خير البشرية وسلامة البرية، من أدناها إلى أقصاها.

جاءت الرسالة السنوية هذا العام، وضمن الاحترام والتقدير الواجبين للعالم الإسلامي في الشهر الفضيل، تحت عنوان: «المسيحيون والمسلمون: إطفاء نار الحرب وإضاءة شمعة السلام».

الرسالة التي تحمل توقيع رئيس الدائرة الكاردينال غيكسوت، تحمل أول الأمر تحيات قرب وصداقة من المسلمين الذين يعيشون مسيرة روحية في رمضان، وهي لغة تصالحية وتسامحية، تُخبر بتغييرٍ طيّب وخلّاق في مسيرة مؤسسة دينية كبرى لجهة أتباع الدين الإسلامي شرقاً وغرباً، ويستشفّ القارئ من الرسالة تأكيد وحدة النوع البشري، ذاك الذي بات يعاني ويلات الشرور الآنيّة.

في مقدِّم تلك الآلام والمخاوف، العدد المتصاعد من الصراعات، بدءاً من القتال العسكري، مروراً بالاشتباكات المسلحة بدرجات متفاوتة من الشدة، والتي تشمل الدول والمنظمات والعصابات المسلحة والمدنيين.

تُذكّر الرسالة في مطلعها بما أشار إليه البابا فرنسيس أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، من أن العالم يعيش حالة من الحرب العالمية المجزأة، وربما لم يتبقَّ الكثير، لكي تشعل أعواد الثقاب، الحرب الكبرى التي لن تُبقي ولن تَذَرْ، ما يعني حتمية فناء البشرية، بعدما نجحت طوال النصف الثاني من القرن العشرين في تجنب الحرب النووية.

تتوقف رسالة الفاتيكان في رمضان للعالم الإسلامي هذا العام، عند أسباب الصراعات، وهي إذ تؤكد وجود منطلقات تقليدية من عينة التطلع الإنساني الدائم إلى الهيمنة، عطفاً على الطموحات الجيوسياسية، والمصالح الاقتصادية، فإنه من المؤكد أن السبب الرئيس، على ما ذكر كاتب الرسالة، هو استمرار تصنيع الأسلحة والاتجار بها.

يضع الفاتيكان العالم أمام حقيقة أخلاقية، وهي أنه بينما جزء من عائلتنا البشرية يعاني بشدة من الآثار المدمرة لاستخدام هذه الأسلحة في الحروب، فإن آخرين، غير مكترثين، يهتمون بالربح الاقتصادي الكبير الناتج من هذه التجارة غير الأخلاقية، في إشارة لا تخطئها العين، إلى المجمعات الصناعية العسكرية، التي تملأ الحواضر الغربية والشرقية، تسوق الموت، وتحرم الفقراء من عوائد وفوائد التنمية الحقيقية التي تنعكس سلاماً على المسكونة وساكنيها.

تضعنا الرسالة أمام بعض الحقائق الجيدة والمفرحة في عالمنا المعاصر، وفيها أن هناك موارد بشرية هائلة يمكنها أن تكون طريقاً لتعزيز السلام ووأد الخصام، وهي موارد يمكن أن تُستخدم في تجذير رغبة السلام الكامنة في النيات الطيبة عند الناس، لا سيما أنه لا يمكن لأحد أن يعجز عن رؤية الآثار المأساوية للحرب من فقدانٍ لأرواح بشرية، وإصابات خطيرة، وحشود من الأيتام والأرامل.

تأتي الرسالة كأنها صدى لواقع مؤلم نراه في الشرق الأوسط، حيث أزمة غزة، وفي شرق آسيا حيث المعاناة الأوكرانية، وفي كثير من بقاع وأصقاع المعمورة، حيث تدمير البنى التحتية والممتلكات يجعل الحياة صعبة للغاية، إن لم تكن مستحيلة.

تكاد كلمات الرسالة تنطق بإدانة الحرب، تلك التي تتسبب في نزوح مئات الآلاف من الأشخاص داخل بلدانهم أو يُضطرون إلى الفرار إلى بلدان أخرى لاجئين، وبالتالي فإن إدانة الحرب ونبذها يجب أن يكونا واضحين لا لبس فيهما.

الشعار الأهم في رسالة دائرة الحوار الفاتيكاني للعالم الإسلامي هذا العام، هو ذاك الذي صكّه البابا فرنسيس: «لا توجد حرب مقدسة، السلام وحده هو المقدس»، هنا يمكن للذين لهم دالّة على التاريخ، الحكم على الخبرات المستفادة من أحاجي الإنسانية المتناحرة في العصور الوسطى، واليوم يثبت لها من خلال التجربة والحكم أن السلام والتعايش هما الحل، وأن الجوار والحوار هما درب البشرية الصاعدة في مدارك الحياة الأنفع والأرفع.

تؤكد الرسالة أن حياة الإنسان في كل الأديان أمر مقدّس، وبالتالي تظل هذه الحياة جديرة بالاهتمام والاحترام والحماية، كما أن الإحساس المتجدد باحترام هذه الكرامة الإنسانية لهبة الحياة سيسهم في الاقتناع بضرورة رفض الحرب وتقدير السلام.

يؤكد الكاردينال غيكسوت، أن الأديان رغم اختلافاتها، تعترف بوجود الضمير وبدوره المهم، ومن هنا تتبدى الأهمية الفائقة لتنشئة الضمائر على احترام القيمة المطلقة لحياة كل إنسان وحقه في السلامة الجسدية والأمن والحياة الكريمة.

تبدو البشرية في يقين رسالة رمضان هذا العام، شهوداً للرجاء، حيث الجميع مدعوّ لإنارة شمعة الأمل التي يُشعّ نورها بالأمان والفرح، ومع اليقظة والتنبه لأن النار في حال عدم السيطرة عليها، يمكن أن تؤدي إلى تدمير الخليقة بشراً وحجراً.

الرسالة تتمنى مزيداً من السلام والرجاء والفرح للعالم الإسلامي في رمضان.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة الفاتيكان في رمضان رسالة الفاتيكان في رمضان



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 18:23 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا سبورتاج 2026 تحصد لقب "أفضل اختيار للسلامة بلاس" لعام 2025

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 18:04 2023 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

اتيكيت مقابلة أهل العريس

GMT 19:07 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

عبير صبري تؤكد إلى أحمد مالك الأخلاق مش بتنفصل عن الفن

GMT 05:24 2013 الإثنين ,20 أيار / مايو

الجماعات الإسلامية" تشن حملة لتشوية الإعلام"

GMT 12:06 2023 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

فيلم «شماريخ» يتصدر شباك التذاكر بـ14 مليوناً و521 ألف جنيه

GMT 12:12 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة وواشنطن تدعمان عائلات متضرري انفجار مرفأ بيروت

GMT 15:19 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل فريدة ومميزة في مجموعة «كروز 2021»

GMT 15:37 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

برج القرد..ذكي واجتماعي ويملك حس النكتة

GMT 00:19 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فوائد حب الرشاد للشعر وطرق تحضير خلطات منه

GMT 18:56 2022 الإثنين ,03 كانون الثاني / يناير

متزلجو لبنان يستعدون لأولمبياد الصين الشتوي

GMT 06:49 2017 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

تعرف علي توقعات درجات الحرارة المتوقعة في مصر الخميس
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon