حد عايش

حد عايش؟!

حد عايش؟!

 لبنان اليوم -

حد عايش

أمينة خيري
بقلم : أمينة خيري

هذه الحرب الضروس الدائرة في غزة، والمرشحة بقوة للانتشار يمينًا ويسارًا، ستترك في أذهان ومسامع وتاريخ البشرية بضع عبارات من شأنها أن تؤرق كل من يحمل قلبًا وعقلًا وضميرًا. جميعنا يطالع التغطيات الإخبارية وعيوننا تحاول التمعن في الخلفيات التي يتحدث من أمامها المراسلون، نسترق النظر إلى المواطنين الجالسين أو المارين خلفه، نحاول التمعن في ملامح وجوههم وقراءة ما يحمله كل منهم من تفاصيل، وتخيل ما يجول في فكره في هذه اللحظة. الجميع يتابع اللقاءات السريعة التي يجريها المراسلون مع من تيسر من أهل غزة، يلقون فيها بضع كلمات عما يكابدونه مع الكثير من الدعاء على المعتدى والتضرع إلى الله. لكن الحقيقة أن ما ستخرج به هذه الحرب من مخزون من الجمل والعبارات- بعيدًا عن القصص والتفاصيل والدعاء والحسبنة- سيجد لنفسه مساحة ومكانة بارزتين في التاريخ. جميعنا تابع وأعاد مشاهدة الأم المكلومة الباحثة عن ابنها يوسف «شعره كيرلى وأبيضانى وحلو»، وهى العبارة التي تحولت بعد دقائق من تفوه الأم بها، وحتى قبل أن تكتشف استشهاد ابنها الصغير إلى Motto أو شعار للحرب المجنونة. وما هي إلا أيام قليلة، حتى باغتتنا الطفلة الصغيرة في المستشفى وهى تستعطف من حولها لرؤية جثمان أمها التي استشهدت أيضًا وهى تصرخ «هاى أمى! باعرفها من شعرها». وها هي كلمات طفل آخر لا يتعدى عمره العشرة أعوام وهو يصيح «والله عيب! أنهوا الحرب! أمانة تنهوا الحرب! عيب والله عيب يا ناس!»،

وبعدها بساعات باغتتنا طفلة لا يزيد عمرها على سبعة أعوام وهى ترد على سؤال مراسل التلفزيون الذي سألها عن سبب بكائها، فتقول: «ماتت ماتت يا عمو!»، هذه الجمل والعبارات العفوية البعيدة عن قوالب الاستغاثة الثابتة والمنزهة تمامًا من شبهات المبالغة أو حتى التفكير والتنسيق المسبقين لتوصيل رسالة للعالم أمام كاميرا تصور أو مراسل ينقل ستكون إرث الحرب الذي يطارد الجميع. كل من هذه الجمل والعبارات لها تأثير يختلف من شخص لآخر. المؤكد أن جميعها يدمى القلوب، ولكن تظل هناك عبارات تعنى أكثر بكثير من فقدان عزيز أو لوم مشاهدين، مع فداحة الفقدان وثقل الشعور بالظلم والتجاهل. تطاردنى عبارتان، الأولى قالتها فتاة فلسطينية وهى تتحدث أمام كاميرا ولخصت ما يدور في داخل كل مواطن من أهل غزة. قالت دون بكاء أو عويل: «مش عارفين شو نعمل؟ وين نروح؟ ووين نعيش؟»، الأسئلة على بساطتها بالغة الفداحة. هؤلاء في نزوحهم وتهجيرهم ومأساتهم اليومية يطاردهم سؤال ربما يرجئونه تحت وطأة المآسى الدائرة على مدار الساعة. أين يذهبون؟، وما الذي سيحل لمن يبقى منهم على قيد الحياة؟. أما السؤال المكون من كلمتين والذى يلخص المأساة قاله أحدهم عقب قصف لعمارة في محاولة للبحث عن ناجين: حد عايش؟

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حد عايش حد عايش



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 12:38 2020 الخميس ,23 إبريل / نيسان

بريشة: هارون

GMT 05:41 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

كابيكا يكشف سر "رحلة الجنون"إلى أوروبا معلقا بعجلات طائرة

GMT 13:08 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

المريسل يوجه رسالة هامة لجماهير أهلي جدة

GMT 08:29 2020 السبت ,16 أيار / مايو

ومضات

GMT 18:59 2021 الثلاثاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

نفوق "توبي" أكبر وحيد قرن أبيض في العالم

GMT 17:18 2023 الإثنين ,10 إبريل / نيسان

أزياء مبهجة تألقي بها في شم النسيم

GMT 14:47 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

أخطاء في الحياة الزوجية يجب تجنبها

GMT 13:19 2013 الجمعة ,05 تموز / يوليو

ممارسة الجنس المنتظم يجعلك تبدو أصغر عمرًا

GMT 10:54 2021 الأحد ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

معلم مصري يضرب طالباً بوحشية ويُثير موجة غضب

GMT 11:56 2012 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

الرئيس مرسي يوقع مرسوم تنفيذ الدستور الجديد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon