هويتنا ودراما رمضان

هويتنا ودراما رمضان

هويتنا ودراما رمضان

 لبنان اليوم -

هويتنا ودراما رمضان

أمينة خيري
بقلم : أمينة خيري

إحدى أكبر المعارك التى يخوضها، أو ينبغى أن يخوضها المصريون، هى معركة الهوية، أو استعادة الهوية. إنها الهوية المميزَة، أى المتفردة والمميزِة، أى التى تميزنا عن غيرنا. إنها الهوية المصرية التى تخلينا عنها، تارة طواعية، وأخرى بسبب توليفة من نقص ثقة فى أنفسنا، وتدهور نظام تعليم أدخل الدينى، أو ما يبدو أنه دينى، مع المدنى وقصف رقبة التفكير العلمى والنهج النقدى، مع انبهار بآخرين، وأخيرا وليس آخرا تغلغل ثقافات أخرى دغدغت المشاعر عبر جلباب دينى وعباءة متدينة. وأحد أبرز مخرجات رمضان هذا العام بوادر صحوة ثقافية، لو تحولت إلى نهج، قد تتمكن من استعادة الهوية المصرية من تحت تلال الأتربة والشوائب التى علقت بها. الجرعة الدرامية الثرية التى فاجأتنا تستحق التوقف، وذلك بعد توجيه التحية للعقل المدبر للفكرة. أتحدث هنا عن فكرة التغذية الثقافية البعيدة عن المباشرة. عمل درامى ناجح واحد أكثر قدرة من عشرات الرسائل التوعوية الموجهة بشكل مباشر. بيننا أجيال خرجت إلى الدنيا وهى تعتقد أن مصر «طول عمرها كده». «طول عمرها كده» عبارة بالغة الحساسية، ومن شأنها أن تستنفر عروق ضيقى الأفق ممن وقعوا فى هوة الظلام والتطرف. حتى أواخر سبعينيات القرن الماضى، لم يكن اللون الأسود طاغيا على تفاصيل الحياة اليومية. السواد ليس بالملابس فقط.

هى مجرد انعكاس. السواد الحقيقى هو سواد الفكر والمنطق والتفسير والتوجه. ومشكلته- أو ميزته بحسب موقفك من السواد- هو أنه معدٍ، سريع الانتشار، ما يلبث أن يصل إلى العقل حتى ينتقل إلى القلب، ومنه إلى الأفكار والمشاعر، ومنها إلى أسلوب التربية وطريقة التدريس وإدارة العمل وحتى سبل الترفيه. تُرِك السواد يرتع بيننا حتى أصبحت له اليد العليا بين الكثيرين. هؤلاء يعتقدون أنه كلما اشتدت الدنيا سوادا، كانوا أرقى وأسمى وأفضل. وفى طريقهم هذا نبذوا أصلهم وفصلهم وثقافاتهم وتاريخهم وحضارتهم، واعتنقوا هجينا من الأفكار كادت تفقدنا هويتنا. أحب كثيرا تعريف الهوية الوطنية بأنها «شعور بأن الأمة وحدة متماسكة عبر مكونات العادات والتقاليد واللغة والثقافة».

هذا التمساك لا يعنى أن نكون صورا مستنسخة من بعضنا البعض، أو أن ينتمى جميعنا إلى الفكر أو المعتقد أو الطبقة أو الفئة ذاتها، لكنها تعنى أرضية ثابتة موحدة تجمعنا. هذه الأرضية هى الثقافة ومكوناتها، وهى الأرضية نفسها التى تبرع البعض بنبذها منذ أواخر السبعينيات لأسباب مختلفة. الوليمة الدرامية فى رمضان هذا العام أيقظت الأمل فى قدرتنا على استعادة هويتنا الأصلية، ونبذ قدر من السواد الذى ساد. لدينا المواهب والأفكار والمهارات والملكات التى تؤهلنا لاستعادة ما فقدناه. لكن عشش لدينا أيضا طيور ظلام وغرابيب سود ظنت، وجعلت البعض يظن، أنها النموذج الذى يجب أن يحتذى والنمط الذى يستحق الانتشار. استعادة هويتنا، ومن ثم مكانتنا، لن تتم بالدراما وحدها، ولكن الدراما أحد مفاتيحها المهمة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هويتنا ودراما رمضان هويتنا ودراما رمضان



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 04:11 2025 الخميس ,08 أيار / مايو

البرج الطالع وتأثيره على الشخصية والحياة

GMT 16:08 2024 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الأمير فيصل بن فرحان يترأس وفد السعودية في قمة "بريكس بلس"

GMT 07:38 2023 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل 10 عطور رقيقة للعروس

GMT 19:43 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

الأردني محمد الدميري يتفوق على السوري عمر السومة

GMT 19:02 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

ساؤول يتطلع إلى استعادة أفضل مستوياته مع تشيلسي

GMT 20:30 2021 الإثنين ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أثيوبيا تنفي شنّ هجوم على السودان وتحمل متمرّدين المسؤولية

GMT 08:19 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

تغريم امرأة تركية خرقت "واجب الإخلاص" لطليقها وهربت مع صهره

GMT 23:04 2021 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

إصابة تريزيجيه بفيروس كورونا وابتعاده عن مباريات أستون فيلا

GMT 06:35 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

التلميذ.. ونجاح الأستاذ
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon