خمسة أسباب وراء تشدّد «الثنائي»

خمسة أسباب وراء تشدّد «الثنائي»

خمسة أسباب وراء تشدّد «الثنائي»

 لبنان اليوم -

خمسة أسباب وراء تشدّد «الثنائي»

شارل جبور
بقلم : شارل جبور

يصحّ القول في اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب انّ ما قبل اعتذاره غير ما بعده، نظراً لأهمية هذه الخطوة ودلالاتها السياسية والرسائل التي احتوتها في أكثر من اتجاه.

لم يكن فريق الثامن من آذار، الذي يشكّل العهد جزءاً لا يتجزأ منه، يتوقّع ان يعتذر أديب، وكان رهانه على قدرته على ابتزازه وابتزاز باريس من خلفه من أجل انتزاع مطالبه وشروطه في حكومة أديب، متكئاً على عاملين أساسيين: رغبة فرنسا بتحقيق إنجاز لبناني بأي ثمن، وهذا خطأ كبير في الإدارة السياسية استغلّه هذا الفريق بغية جَرّ الرئيس إيمانويل ماكرون إلى التنازلات التي يريدها، والعامل الثاني رهانه على تنازل الرئيس سعد الحريري عاجلاً أم آجلا، فهو يكفي ان يعطِّل لينتزع من رئيس «المستقبل» في الوقت المناسب ما يريده.

وقد جاءت المبادرة الحريرية لتفضح الثنائي الشيعي وتحشره، وعلى رغم الضرر الكبير لهذه المبادرة على الحريري شخصيّاً داخل بيئته التي لا تحتمل تنازلات من هذا النوع تحت اي عنوان، لا سيما انّ مطلب الفريق الآخر يشكّل انتهاكاً للدستور، إلّا انّ مبادرته كشفت هذا الطرف وعَرّته وأظهرت حجم عرقلته وأدّت إلى إرباكه. وبالتالي، بقدر ما كان وَقع هذه المبادرة سيئاً على الحريري شخصياً، بقدر ما كان مفيداً وطنياً، لأنه رغم التنازل الذي قدّمه رفض الثنائي الشيعي ملاقاته.

وهناك 5 أسباب منفردة او مجتمعة تقف خلف تشدّد الثنائي الشيعي في مسألة تأليف الحكومة:

السبب الأول من طبيعة إيرانية، حيث يُخفي «حزب الله» السبب الحقيقي للعرقلة بأنه إيراني من خلال التشدد بالمطالب المحلية، وبالتالي يغطّي العرقلة الإيرانية بمطالب محلية، فيما وجدت طهران في الخطوط الفرنسية والروسية وغيرهما التي فتحت معها من أجل تسهيل ولادة الحكومة اللبنانية مناسبة لتوظيف هذه الورقة تحسيناً لتموضعها الإقليمي في المواجهة مع واشنطن، ولن تسهِّل تشكيل الحكومة مجاناً، بل تريد ان تقبض سلفاً وكاش.

السبب الثاني من طبيعة سياسية انتظارية، حيث يعتبر الحزب انّ لبنان يستطيع الصمود اقتصادياً حتى نهاية هذا العام، وهو غير مضطر لتشكيل حكومة لا تأثير له فيها وغير مُمسك بمفاصلها في مرحلة قد تشهد تغيّرات وتبدلات وهندسات جديدة بعد الانتخابات الأميركية. ولذلك، إمّا تُشكّل الحكومة وفق شروطه وقدرته على الإمساك بناصية قرارها، وإمّا من مصلحته الإبقاء على الحكومة المستقيلة وتفعيل تصريف الأعمال طالما انّ المدة الفاصلة عن هذه الانتخابات باتت قصيرة جداً.

السبب الثالث من طبيعة دستورية تأسيسية، حيث انّ الحزب لا يُخفي رغبته بتعديل الدستور وقَوننة ودَسترة الاجتهادات التي يحاول تكريسها، من المقاومة غير المنصوص عنها في الدستور، إلى التوقيع الثالث الذي لا أساس له في اتفاق الطائف، ويعتبر انه نجح في ربط نزاع جدي في موضوع وزارة المالية، وأي تراجع من قبله يعيده إلى النقطة الصفر وينزع منه ورقة يعتبرها في جيبه، خصوصاً انه يعمل وفق أسلوب القَضم المتواصل بانتظار المؤتمر التأسيسي الذي ينادي به تعزيزاً لدوره السلطوي.

السبب الرابع من طبيعة عرفية، حيث لن يسجِّل الحزب على نفسه تحت اي عنوان سابقة تسمية وزراء شيعة من خارج إرادة الثنائي الشيعي، لأنّ الاستثناء قد يتحول إلى قاعدة وفي كل مرة بحجّة مختلفة.

السبب الخامس من طبيعة سياسية تكتية، حيث يعتبر انّ تصلُّبه كفيل بدفع الفريق الآخر إلى التساهل لانتزاعه المكاسب التي يريدها.

وتأسيساً على هذه الأسباب، هناك من يعتبر أن لا مصلحة لـ»حزب الله» بالفوضى والحرب، لأنّ تفكك الدولة سيفرض عليه الانكفاء إلى داخل بيئته، فيما هو يُمسك اليوم بقرار الدولة الاستراتيجي، ولكن اللعب على حافة الهاوية قد يُسقط البلد في الهاوية، فضلاً عن انّ الشروط التي يضعها للتشكيل تُفضي إلى استنساخ حكومة الرئيس دياب، ما يعني تعذُّر تحقيق الإصلاحات المطلوبة طالما انّ فريق العمل نفسه الذي فشّل دياب سيُفشِّل أديب، فيما جلّ ما هو مطروح تأليف حكومة استثنائية بمهمة محددة وهي إنقاذ لبنان، وبعد الإنقاذ يكون لكل حادث حديث، والحكومة التي رفضها الحزب ليست حكومة سياسية لكي يخشى مثلاً من قرارات تطاله وتستهدفه، وعلاوة على ذلك يمتلك ترسانة صواريخ وبإمكانه إقفال مجلس النواب وعدم توقيع رئيس الجمهورية على اي قرار يستهدفه. وبالتالي، إنّ كل ما يُساق تحت هذه العناوين يندرج في سياق الحجج التي يروِّجها تبريراً لعدم إفراجه عن الحكومة.

فكيف يمكن لفريق سياسي يرى بأمّ العين انّ لبنان ينهار أمامه، فيما هو يواصل السياسات نفسها التي أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه؟ وعلى رغم انّ الحكومة التي كان يؤلفها أديب كانت ستكون حكومة مستقلة تماماً، وانه ليس صحيحاً انّ نادي رؤساء الحكومات يتولى تأليفها، ولكن لو سَلّمنا جدلاً لضرورات النقاش بأنّ هذا النادي هو من يؤلف الحكومة، فلماذا لا يمنح فرصة الإنقاذ على غرار الفرصة التي أعطيت لفريق 8 آذار مع حكومة حسان دياب؟ ومِمّ يخشى الحزب؟ وكل الكلام عن مؤامرات خارجية واستهدافية يدخل في سياق التضليل وشد العصب، حيث انّ وجوده خارج الحكومة لن يختلف عن وجوده داخلها.

وأمّا على مقلب رئيس الجمهورية فإنّ تمسّكه بتسمية الكتل النيابية للوزراء يتجاوز حرصه على الشراكة في التأليف من باب التوقيع الرئاسي، حيث يعتبر الرئيس انّ عهده في ورطة ما بعدها ورطة والمبادرة الفرنسية تشكّل مناسبة للخروج من هذه الورطة، فيما تشكيل حكومة لا وزراء له فيها يعني انه لن يكون شريكاً في الإنجازات التي يمكن ان تحققها الحكومة، بينما حكومة مدعومة فرنسيّاً تُشَكِّل فرصة إنقاذية ليس على مستوى البلد فقط، بل لعهده إذا كان شريكاً على طاولة مجلس الوزراء، وهذا ما يفسِّر إصراره على تسمية الوزراء على غرار الثنائي الشيعي ولو اختلفت المنطلقات والخلفيات بينهما، وذلك من أجل ان يوجّه رسالة بأنه لم يفشل بل تمّ إفشال عهده، وهذا ما لن ينطلي على الرأي العام.

وبالعودة إلى اعتذار أديب، فإنّ أهمية هذه الخطوة تكمن في الآتي:

أولاً، وضع الثنائي الشيعي وفريق 8 آذار مجتمعاً والعهد ضمناً أمام 3 خيارات: إمّا تشكيل حكومة بشروطهم ما يعني الفشل الحتمي ومواصلة انزلاق البلد نحو قعر الهاوية، وإمّا تأليف الحكومة بشروط المبادرة الفرنسية واللحظة المالية ما يعني عدم تدخلهم في التأليف، وإمّا الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال واستمرار النزف فصولاً.

ثانياً، توجيه رسالة إلى الثنائي الشيعي و8 آذار مفادها بأن لا الابتزاز ولا التذاكي ولا التشاطر تؤدي غرضها وتحقق أهدافها، فزمن انتزاع المكاسب من باب الضغط والتهويل انتهى إلى غير رجعة، وإلّا فليشكّل هذا الفريق الحكومة التي يريدها، ولكنه لن يستطيع انتزاع غطاء فرنسي ومحلي لحكومة خارجة عن المواصفات المطلوبة.

ثالثاً، سلاسة المبادرة الفرنسية لا تعني تشكيل حكومة وحدة وطنية او تكنوسياسية او نسخة طبق الأصل عن سابقاتها، فهذا النوع من الحكومات قاد إلى الانهيار، وللخروج من هذا الانهيار يجب تأليف حكومة لا تأثير لكل هذه القوى على مسار عملها، ويخطئ هذا الفريق إذا اعتقد انّ المبادرة الفرنسية ستشكل غطاءً لفشله وتعويماً لدوره وإنقاذاً له.

رابعاً، إنّ التنازلات التي قدمها نادي رؤساء الحكومات، وآخرها الحريري، لن تتكرر، بل ستقابَل بتشدّد أكبر، ما يعني انه إذا كانت العودة إلى حكومة دياب غير مطروحة، فلم يعد مطروحاً اليوم العودة حتى إلى الحكومة التي كان ينوي أديب تشكيلها، ويعني انّ مبادرة الحريري انتهت مع اعتذار أديب، وانّ وزارة المالية لن تكون من حصة الشيعة، كما التشدّد في رفض تسمية الكتل النيابية للوزراء ليس فقط رفضاً لاستنساخ الحكومة المستقيلة، بل لأنّ هذه الكتل فقدت مشروعيتها الشعبية ايضاً.

خامساً، قدّم أديب نموذجاً مهماً في الممارسة السياسية فحواه ان من لا يستطيع الإنقاذ عليه التنحّي، وانّ ممارسة السلطة للسلطة لم تعد مرغوبة في بلد يعيش في خضَمّ أزمة مالية غير مسبوقة قد تقوده إلى الفوضى، وهذا النموذج سَيمُدّ الناس المنتفضة دفاعاً عن لقمة ونمط عيشها وكرامتها بالزخم لإسقاط السلطة في الشارع وإعادة إنتاج سلطة جديدة منبثقة من هموم الناس وتطلعاتهم.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خمسة أسباب وراء تشدّد «الثنائي» خمسة أسباب وراء تشدّد «الثنائي»



GMT 19:34 2025 الأربعاء ,12 آذار/ مارس

مسلسلات رمضان!

GMT 11:05 2025 الإثنين ,10 آذار/ مارس

ريفييرا غزة!

GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 09:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 06:50 2016 الجمعة ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال نيوزيلندا العنيف يتسبب في تحريك جزر رئيسية

GMT 22:25 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

3مستحضرات فقط تخفي علامات تعب وجهك نهائيا

GMT 18:35 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

5 أسرار لتطبيق المكياج من أجمل نساء بريطانيا

GMT 16:57 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"موريشيوس" ملاذ رومانسي ساحر لقضاء شهر العسل

GMT 13:05 2012 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

إضراب في مطار شرم الشيخ يتسبب في إغلاق جزئي أمام السياح

GMT 04:44 2018 الجمعة ,09 شباط / فبراير

لاكوتريبيس يعلن اكتشاف حقل غاز على سواحل قبرص

GMT 18:00 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إتيكيت دفع فاتورة حساب المطعم

GMT 10:31 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

نظافة المدرسة من نظافة الطلاب والمدرسين

GMT 07:27 2014 الثلاثاء ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جائزة لـ«فقه العمران»

GMT 21:14 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

تعرف علي توقعات أحوال الطقس في لبنان الاربعاء

GMT 18:27 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

انفجار في مدينة بنش في ريف إدلب السورية
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon