«إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا»

«إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا»

«إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا»

 لبنان اليوم -

«إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا»

مصطفي الفقي
بقلم: مصطفي الفقي

تمتد ذكرياتى مع الزلازل إلى سنوات طويلة.. فى عام 1957 ضرب زلزال خفيف منطقة الدلتا وكنت أعيش فى مدينة دمنهور مع أسرتى، وشعرنا به فى الساعات الباكرة من الصباح، وكانت تلك أول تجربة مع الهزات الأرضية، وقال أبى يومها - رحمه الله -: (إنها على ما يبدو انعكاسات للقنابل النووية فى بعض الأماكن التى تجرى فيها تجارب على ذلك السلاح الخطير)، ولم يستوعب خيال طفل تجاوز قليلًا الثانية عشر من عمره ذلك التحليل، ولكننى شعرت بأن الأرض إذا تحركت فليس للإنسان أمان يشعر به ولا اطمئنان يحيطه، وظل الأمر فى ذاكرتى يستيقظ كلما حدثت هزة أرضية شعرت بها أو سمعت عنها أو قرأت أخبارها، وكلما كنت فى مناسبة وتحتم علىَّ أن أقضى ساعات فى أحد الأدوار العليا، فإننى أستعيذ بالله دائمًا من مفاجأة زلزالية تطيح بمشاعر السكينة التى تسيطر علينا فى الأحوال العادية، خصوصًا أننى أضع نفسى دائمًا فى وضع الطرف الآخر الذى يتعرض لغضب الطبيعة أيًا كان نوعها، وبينما كنت أعمل دبلوماسيًا فى الهند وأعيش أنا وأسرتى فى مدينة نيودلهى، كنا نذهب فى بعض أيام الشتاء الدافئ إلى إقليم كشمير المتنازع عليه بين الهند وباكستان، وهى منطقة تستحق النزاع عليها والقتال من أجلها بما فيها من بحيرات محاطة بالحدائق حيث يعيش الناس، خصوصًا من جاءوا للسياحة من أمثالنا ليقضوا أيامًا فى العوامات المهيأة للإقامة المريحة.. وفى إحدى الليالى وبقرب الفجر كانت زوجتى وابنتى نائمتين وأنا مستيقظ أستمتع بالقراءة فى الهدوء الذى أعيشه فى سويسرا الشرق، وأستمع إلى صوت المؤذن لصلاة الفجر فى أواسط آسيا وكأنما تردد جبال الهيمالايا صدى صوت الشيخ المؤذن بلكنة غير عربية، ولكنها تفيض سماحة ونورانية فى تلك اللحظات الرائعة عند الفجر.. وبينما أنا أشعر بالهدوء بين النوم واليقظة فإذا العوامة تهتز اهتزازًا عنيفًا حتى إننى تخيلت أن أسودًا ونمورًا تجرى فوقها وتؤدى إلى اهتزازها بهذا الشكل المفاجئ. وفى الصباح، علمت أن زلزالًا كان هو السبب فيما جرى، وأن الشعور به فوق المياه قد يزداد عن الشعور به فوق الأرض، ولكن الخسائر تكون أقل.

وفى عام 1992، كان من المقرر أن أرافق الرئيس الراحل حسنى مبارك ضمن الوفد المسافر فى زيارة رسمية لجمهورية الصين، وبالفعل، سلمت حقيبتى قبل الرحلة بيومين كالمعتاد للمسؤولين عن شؤون السفر فى مؤسسة الرئاسة حتى تسافر على طائرة الأمتعة المسماة C130، ثم حدثت قصة السيدة الأرمنية التى أطاحت بالمشير أبوغزالة - رحمه الله - وبعدد من ضباط الشرطة الكبار، وأصابنى منها رذاذ كان يجب أن أتنبه له ولكننى قللت من شأنه حتى جاءنى اتصال من مؤسسة الرئاسة بأن الرئيس قد قرر إنهاء انتدابى وعودتى إلى وزارة الخارجية كوزير مفوض فى ترتيبى الطبيعى بين درجات السلك الدبلوماسى والقنصلى، وبذلك طلبوا منى أن أرسل من يستعيد حقيبة سفرى لأننى لن أذهب فى رحلة الصين كما كان مقررًا من قبل، واندهشت كثيرًا لما جرى بعد ذلك، حيث قطع الرئيس مبارك زيارته لبكين عندما وصلت أخبار الزلزال فى اليوم التالى، وكانت هى المرة الوحيدة فى تاريخ أسفاره التى يقطع فيها الزيارة ويعود إلى الوطن بسبب كارثة الزلزال الذى ضرب القاهرة وترك آثارًا من عمارات متهدمة وأبنية متصدعة ومآذن أثرية تشققت بفعل ذلك الزلزال الذى شعرنا به جميعًا، حتى اتصل بى فى ذلك اليوم زميلى السفير شكرى فؤاد ميخائيل، وقد كان صديقًا عزيزًا، ليقول لى فى محادثة تليفونية: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) فى نبرة أسف لما حدث ومواساة لى فى استبعادى من مؤسسة الرئاسة، وكيف أن رد الفعل الإلهى قد جاء بعد ساعات قليلة من السفر.

ولا أكاد أذكر الآن رحلة قطعها الرئيس مبارك وعاد إلى الوطن إلا عودته بعد ذلك بسنوات قليلة بعد محاولة الاغتيال التى تعرض لها الرئيس الراحل فى الطريق من المطار إلى مقر انعقاد القمة الإفريقية بالعاصمة الإثيوبية، حيث عاد الرئيس للمرة الثانية وقطع رحلته مثلما فعل فى زيارة الزلزال الذى ضرب مصر وما زالت مبانى الإيواء لمن شردتهم تلك الهزة الأرضية مسماة مساكن الزلزال.. هذه بعض ذكرياتى، ألوكها مع الزلزال الأخير الذى ضرب مناطق فى تركيا وسوريا، فقد تسمرت أمام التلفاز عدة أيام أتابع أحداث المشهد الحزين لضحايا ذلك الزلزال ومعجزاته، بدءًا من طفل رضيع وصولًا إلى سيدة مسنة، وكأنما يذكر الله سبحانه وتعالى مخلوقاته قائلًا: (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا).. ويبقى الزلزال فى ذاكرتى محتلًا زاوية لا يغيب عنها أبدًا.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا» «إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا»



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 22:12 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول
 لبنان اليوم - اكتشاف علامة مبكرة لتطور مرض السكري من النوع الأول

GMT 00:46 2016 الخميس ,25 آب / أغسطس

وصفة طبيعية لتحصلي على أكواع بيضاء

GMT 22:53 2017 الجمعة ,21 تموز / يوليو

الشهري يستقيل من تدريب فريق النهضة السعودي

GMT 22:47 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

جورج قرداحى يسلم جائزة "اسم من مصر" للفائز

GMT 07:07 2013 الجمعة ,23 آب / أغسطس

كارول سماحة تنتهي من تصوير "وحشاني بلدي"

GMT 15:56 2022 السبت ,22 كانون الثاني / يناير

الموضة الرائجة للبلوزات خلال موسم ربيع وصيف 2022

GMT 10:56 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

وزير مصري سابق يؤكّد أنّ أعراض "كورونا" تختلف بحسب الطقس

GMT 10:35 2015 الثلاثاء ,29 أيلول / سبتمبر

مقتل شخصين وإصابة 300 في إعصار عنيف ضرب تايوان

GMT 21:46 2022 الجمعة ,07 كانون الثاني / يناير

مايا دياب تكشف عن تعرضها للتحرش الجنسي في إحدى حفلاتها
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon