بقلم : غسان زقطان
لنعترف أولا أن "فلسطين"، التي تحولت عبر عقود طويلة من المواجهة، الى ثقافة عميقة في الوعي العربي، هي التي تقف حاجزا الآن أمام رغبة بعض "الأشقاء" العرب الانتحارية بالانهيار، وأن فلسطين قد تحولت الى استعارة راسخة لكل ما تعنيه قيم العدالة والكرامة واحترام الذات والآخر، وأن رسوخ هذه الاستعارة العظيمة في الوعي العربي والإنساني هي محصلة لمقاومة الشعب الفلسطيني وصموده وتضحياته، والمساهمة العظيمة التي قدمها مثقفوه عبر أجيال متلاحقة، المساهمة التي جعلت من الهوية الفلسطينية مكونا من مكونات الوعي الإنساني وثقافته.
وأننا نتحرك بقوة هذا الحضور أولا وقبل كل شيء.
ولن نذهب بعيدا إذا قلنا إن هذا، بالضبط، ما يجعل من تجاوز فلسطين أمرا عصيا، وأنها بقوتها وعدالتها تدفع خصومها نحو الاعتراف بحقيقتهم الانتهازية الفاسدة وصولا الى النواة العنصرية التي تضخ في أفكارهم وسلوكهم.
هذا امتياز مذهل للفلسطينيين ينبغي استثماره وتفعيله ورعايته، وليس الاتكاء عليه وتجيير حضوره ومنجزه لموقف سياسي هنا أو هناك أو فصيل او حزب أو زعيم، هو سابق على كل هذا على الفصيل والحزب والزعيم، وباق بعد كل هذا، يتغير المشهد وتتبدل الأسماء وتطوي كل مرحلة شهودها، ولكن هذه البلاد لا تطوى.
ولنعترف، دون مكابرة، أن "هلهلة" منظمة التحرير ودفعها جانبا كلاعب احتياط مترهل تآكلت مهاراته، ساهمت في المأزق الغريب الذي يعيشه الفلسطينيون، المأزق الذي يتمثل الآن وبشكل لا يمكن تمويهه او الالتفاف عليه، كما جرت العادة، في نضوج الموقف، نظريا، وعجز الأدوات التي عليها أن تمنح هذا الموقف دينامية وفاعلية يفتقر إليها بشدة.
ليس لدينا عربة صالحة تنقل الموقف المعلن الرافض لـ"صفقة نتنياهو/ترامب"، والرافض لمناقشتها او الحوار معها، والأهم، دون شك، إزاحتها عن الطاولة وعن قائمة المرجعيات التي يمكن التعامل معها لاحقا.
هذه العربة جرى تعطيلها وتفكيك مفاصلها لأسباب ودوافع كثيرة منها الترهل والفساد وتفاقم الجهل، وتغييب الجانب الثقافي وتهجير الكفاءات، بحيث لم تعد قادرة على الحركة، غير قادرة على نقل الموقف المعلن وتحويله الى حقائق على الأرض.
دون ثورة حقيقية وشفافة داخل مفاصل العمل ومواقع اتخاذ القرار، سيتواصل التشكي وشرح المظلومية وانتظار المواقف المتضامنة.
ثمة دروس يمكن الاستفادة منها تحدث الآن في الشرق والشمال، العراق ولبنان، دروس ينبغي، في فسحة الوقت الضيقة هذه، الإصغاء لها بشكل جيد.