مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب 50

مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب (50)

مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب (50)

 لبنان اليوم -

مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب 50

بقلم:تركي الدخيل

وَمَا زِلْنَا نَعْرِضُ أَعْجَازَ أَبْيَاتِ شِعْرٍ لِأَبِي الطَّيِّبِ الْمُتَنَبِّي، سَارَتْ أَمْثَالاً، فَقَدْ أَقَرَّ الْمُحِبُّ وَالْمُبْغِضُ بِأَنَّ مِنْ مَزَايَا شِعْرِ أَبِي الطَّيِّبِ، إِرْسَالُ الْمَثَلِ فِي أَنْصَافِ الْأَبْيَاتِ...

(141) وَشَرُّ مَا يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ مَا يَصِمُ

يُمَهِّدُ أَبُو الطَّيِّبِ فِي هَذَا الشَّطْرِ لِصِيَاغَةِ مَفْهُومٍ جَلِيٍّ لِمَا يُسَمَّى فِي الْيَوْمِ بِصِيَانَةِ السُّمْعَةِ.

فِي عَالَمِ الْعِلَاقَاتِ الْعَامَّةِ، لَا يَكْفِي بِنَاءُ السُّمْعَةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ صِيَانَتِهَا، تَمَاماً كَمَا تُصَانُ السُّمْعَةُ الشَّخْصِيَّةُ مِنَ الزَّلَلِ وَالخَلَلِ وَ الدَرَنِ.

وَبِالْعَكْسِ، يَجِبُ الْفِرَارُ مِنْ كُلِّ مَا يُلَطِّخُ هَذِهِ السُّمْعَةَ وَيَشُوبُهَا مِنَ الشَّوَائِبِ، وَالْعُيُوبِ. وَفِي هَذَا الْعَجُزِ يَتَحَدَّثُ الْمُتَنَبِّي مُحَذِّراً مِنْ خَدْشِ السُّمْعَةِ، فَمَا بَالُكَ بِجَرْحِهَا؟!

الشَّرُّ: مَرَّ مَعَنَا فِي حَلْقَةٍ سَابِقَةٍ، أَنَّ الشَّرَّ عَكْسُ الْخَيْرِ، وَهُوَ سُوءٌوفسادٌ، وقيلَ: هوَ اسمٌ جامعٌ للرَّذَائِلِ والخَطَايَا، وفي التنزيل: ﴿وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾: كفر- ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾: شدّة من فقر أو مرض.

أما شَرُّ في بيت القصيد، فاسم تفضيل مِنْ شَرّ: أصلها (أَشَرُّ)، حُذِفَت مِنهُ الهمزة: والمعنى أكثر سوءاً وفساداً. مثاله، قولهم: «الدَّيْنُ شَرُّ أنواع الفقر».

وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾». يَصِمُ: أَيْ يَعِيبُ. وَفُلَانٌ وُسِمَ بِوَصْمَةِ عَارٍ، أَيْ حُكِمَ عَلَيْهِ حُكْماً اجتماعياً، بِاعْتِبَارِهِ مُرْتَكِباً فَضِيحَةً مُسِيئَةً جَالِبَةً لِلْعَارِ، وَالْوَسْمُ هُوَ الْعَلَامَةُ الثَّابِتَةُ، وَنَوْعِيَّةُ الْعَلَامَةِ تُشِيرُ بِوُضُوحٍ إِلَى جُرْمِهِ.

«و ص م: وصَمَ يصِم، صِمْ، وَصْماً وصِمَةً، فهو واصِم، والمفعول مَوْصوم •وصَم فلاناً: عابَهُ، لطَّخه بقبيح، تنقَّص من قدره «وصَمهُ بالجُبن- وصَم شرفَ العائلة- وصَم حَسَبَ فلان: ألحق به العار- شرُّ البلادِ مكانٌ لا صديقَ به * وشرُّ ما يكسِبُ الإنسانُ ما يَصِمِ» . صِمة [مفرد] : مصدر وصَمَ. وَصْم [مفرد] : ج وُصوم (لغير المصدر) : 1 - مصدر وصَمَ. 2 - عيب وعار «كان موقف النَّذالة الذي اتَّخذه وصْماً عليه».. وَصْمَة [مفرد] : ج وَصَمات و وَصْمات: 1 - اسم مرَّة من وصَمَ. 2 - وَصْم؛ عَيْبٌ وعار «وَصْمة عار- إنه يرى وصمة غيره ولا يرى وصمته: ما يعيب وينال من الشَّرف». سُمْعة: صِيت، ما يُسمَع عن شخص من ذِكر حسن أو سيّئ. «السُّمْعة الحسنة خيرٌ من الذهب». [مثل أجنبيّ].

صِيت: سُمعة، ذِكرٌ حَسَنٌ ينتشر في الناس. «ذهب صِيتُه بين النّاس»، صِيتُه يطبّق الآفاق: يملؤها- فلانٌ حَسَنُ الصِّيت: له ذكر في الناس حَسَنٌ- فلانٌ ذائعُ الصِّيت: له شهرة واسعة. •    انظر: (معجم اللغة العربية المعاصرة)، أحمد عمر مختار . وَشَرُّ مَا يَكْسِبُ الْإِنْسَانُ: أَيْ أَسْوَأُ مَا يَكْسِبُهُ. وَالْكَسْبُ هُنَا لَا يَعْنِي الرِّبْحَ، بَلْ يَعْنِي الْحِيَازَةَ، فَأَبُو الطَّيِّبِ يَعْتَبِرُ أَكْثَرَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَحُوزُهَا الْإِنْسَانُ شَرّاً، هِيَ مَا يَصِمُ: أَيْ مَا يَكُونُ وَصْمَةَ عَيْبٍ فِيهِ وَعِنْدَهُ.

وَحِيَازَةُ الْأَشْيَاءِ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ، بَلْ تَتَجَاوَزُهَا لِتَشْمَلَ الْمَعْنَوِيَّاتِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُوَصَمَ الْمَرْءُ بِسُوءِ الْخُلُقِ، أَوْ بِالْجَفَاءِ، أَوْ بِالتَّلَوُّنِ، أَوْ بِالْوَقَاحَةِ، أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْمَعَايِبِ عَيَاذاً بِاللَّهِ.

فَمَنْ ذُكِرَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَسَبَ مَا يَصِمُ، وَبِئْسَ الْوَصْمُ.

(142) وَلَكِنَّ طَبْعَ النَّفْسِ لِلنَّفْسِ قَائِدُ

هَذَا الشَّطْرُ ذَكَرَ بَيْتَهُ الصَّاحِبُ بْنُ عَبَّادٍ فِي: (الْأَمْثَالُ السَّائِرَةُ مِنْ شِعْرِ الْمُتَنَبِّي)، وَذَكَرَهُ أَبُو مَنْصُورٍ الثَّعَالِبِيُّ فِي كتابه: (يَتِيمَةُ الدَّهْرِ)، بَاب مَحَاسِنِ شِعْرِ الْمُتَنَبِّي، بِقَوْلِهِ: وَمِنْهَا إِرْسَالُ الْمَثَلِ فِي أَنْصَافِ الْأَبْيَاتِ. لِأَنَّهُ مَطْبُوعٌ عَلَى سَجِيَّتِكَ بِطَبْعِ نَفْسِكَ، وَطَبْعُ نَفْسِكَ يَقُودُ نَفْسَكَ إِلَى سُلُوكِ مَا اعْتَدْتَ عَلَيْهِ وَطُبِعْتَ عَلَيْهِ جِبِلَّتُكَ.

وَمَنْ تَعَوَّدَ عَلَى سُلُوكٍ وَشِيمَةٍ فَإِنَّهُ مُلَازِمُهَا، وَلَو ادَّعَى غَيْرَهَا. وَفِي ذَلِكَ قَوْلُ الْأَعْوَرِ الشَّنِّيِّ:

وَمَنْ يَقْتَرِفْ خُلْقاً سِوَى خُلْقِ نَفْسِهِ * يَدَعْهُ وَتَغْلِبُهُ عَلَيْهِ الطَّبَائِعُ

وَأَدْوَمُ أَخْلَاقِ الْفَتَى مَا نَشَأَ بِهِ * وَأَقْصَرُ أَفْعَالِ الرِّجَالِ الْبَدَائِعُ

وَمِثْلُهُ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ الْمَهْدِيِّ:

مَنْ تَحَلَّى شِيمَةً لَيْسَتْ لَهُ * فَارَقَتْهُ وَأَقَامَتْ شِيمَتُهْ

وَقَوْلُ سَالِمِ بْنِ وَابِصَةَ الْأَسَدِيِّ:

يَا أَيُّهَا الْمُتَحَلِّي غَيْرَ شِيمَتِهِ * إِنَّ التَّخَلُّقَ يَأْتِي دُونَهُ الْخُلُقُ

قَالَ ذُو الْإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيُّ:

كُلُّ امْرِئٍ رَاجِعٌ يَوْماً لِشِيْمَتِهِ * وَإِنْ تَخَلَّقَ أَخْلَاقاً إِلَى حِيْنِ

وَقَالَ أَيْضاً: لِكُلِّ فَتًى مِنْ نَفْسِهِ أَرْيَحِيَّةٌ * وَتُرَبَّى عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ الضَّرَائِبُ

وَقَالَ أَيْضاً:

اعْمَدْ إِلَى الْحَقِّ فِيمَا كُنْتَ فَاعِلَهُ * إِنَّ التَّخَلُّقَ يَأْتِي دُونَهُ الْخُلُقُ

وقَالَ حَاتِم الطَائي:

وَمَنْ يَبْتَدِعْ مَا لَيْسَ مِنْ خِيمِ نَفْسِهِ * يَدَعْهُ وَيَغْلِبْهُ عَلَى النَّفْسِ خِيمُهَا

الْخِيمُ: السِّجِيَّةُ وَالطَّبِيعَةُ وَالْأَصْلُ.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب 50 مِن رَوَائِعِ أَبِي الطَّيِّب 50



GMT 22:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

سنوات الهباء

GMT 21:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

حضرموت ومنطق الدولة

GMT 20:52 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

GMT 20:51 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!

GMT 20:50 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

GMT 20:49 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

أفكار حول التطوّر التقني وحيرة الإنسان

GMT 20:48 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

بدور نسجت تاريخها

GMT 20:45 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

على وزن المطار السري

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم
 لبنان اليوم - الجزر وفيتامين A عنصران أساسيان لصحة العين وتحسين الرؤية

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 10:45 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:53 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف من جيني بايكهام لخريف 2021

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تسريب صور مخلة للآداب للممثلة السورية لونا الحسن

GMT 21:23 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جبران باسيل يلتقي وكيل وزارة الخارجية الأميركية

GMT 16:36 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

النجمة يستعير لاعب الترجي التونسي شاونا

GMT 12:17 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

بوتين والسيسي يترأسان أول قمة روسية إفريقية

GMT 11:37 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 21
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon