نحو عام جديد نرفعُ الأشرعة

نحو عام جديد... نرفعُ الأشرعة

نحو عام جديد... نرفعُ الأشرعة

 لبنان اليوم -

نحو عام جديد نرفعُ الأشرعة

بقلم:جمعة بوكليب

بمرور الوقت، تعوّدنا نحن البشر لدى نهاية عام وبدء آخر، على ألا تأتي الرياح بما تشتهي قلوبنا من أمنيات. لا أحد يلوم الرياح على خذلانها لنا، أو يجبرها قسراً على تغيير اتجاهها بما يتفق واتجاه مراكب أمانينا.

وإذا صدّقنا المؤرخ اليوناني هيرودوتوس، فإنَّ الليبيين من دون شعوب الأرض قاطبة، هم من تجرأ على محاربة الرياح، بأن اختاروا التصدي لـ«ريح القبلي» في سابقة تاريخية أولى وأخيرة؛ إذ يقول هيرودوتوس إن قبيلة قديمة ليبية ضاقت ذرعاً بما تفعله تلك الرياح المسمومة بالزرع والضرع، وقرروا التصدي لها بأن ارتدوا لباسَ الحرب وخرجوا لملاقاتها، فلم يعد منهم أحد.

الليبيون يصفون أنفسهم بأنَّهم «شعب صعب عناده». والوصف، رغم نبرة السُّخرية الصريحة فيه، لا يخلو من حقيقة. وعنادهم ليس في حاجة حتى إلى مؤرخ في شهرة هيرودوتوس لتأصيله، وهو الذي قال: «من ليبيا يأتي الجديد».

ها نحن، مرة أخرى، نقف على مسافة أيام قليلة من نهاية عام وبدء آخر. وها نحن، ككل مرة، نستعد لمصافحة أحبابنا وتهنئتهم بالقادم الجديد متمنين لهم تحقيق الأماني والرغبات والأحلام. بعضنا قرر الكفَّ عن تكرار ممارسة هذه اللعبة بدافع الملل؛ إذ ما الجدوى من أن تتمنى أمنية صغيرة على مدار السنين ولا تراها تتحقق؟ هؤلاء يصنّفون عادة تحت خانة المتشائمين، وليس بمستطاع أحد لومهم. وفي المابين يوجد «المتشائلون»، أو بالأحرى الحذرون، الذين يفضلون ألا يضعوا كل بيضهم في سلة واحدة.

رحمةُ الله لا تنقطع من الأرض والطمعُ فيها لا يتوقف. والأملُ كذلك بذر بذوره في القلب الإنساني منذ قديم الزمن وما يزال يزهر في أغلب القلوب. والأعوام لامبالية، كما عرفناها، تواصل سيرها غير ملتفتة لما نشتهيه أو نخافه. والحلم بغد أفضل وبحياة إنسانية تسودها المحبة والإخاء لن يطفأ؛ إذ لو حدث ذلك لفقدت الحياة الإنسانية معناها.

وعن العام الجديد 2026، لا نتوقع - حسب المعطيات الموجودة - أن يكون أفضل من سابقه أو متميّزاً عنه. بمعنى أننا خلاله قد لا نشهد نهاية مأمولة للحرب بين روسيا وأوكرانيا، أو بين الأخوة الأعداء في السودان، ولا نطمع أن تغيّر قوات الاحتلال الإسرائيلي من مسلكها ضد سكان قطاع غزة، أو يتوقف المستوطنون الصهاينة عن التوسع في الضفة الغربية، أو تعترف حكومة الائتلاف اليميني بحق الفلسطينيين في العيش في دولة مستقلة. ومن المحتمل أن نشهد الأميركيين يخوضون بقواتهم في أوحال مستنقعات حرب أخرى، هذه المرّة في حديقتهم الخلفية في فنزويلا. فهم قد بدأوا التحضيرات لها منذ وقت. وسوءُ الأحوال في القارة الأفريقية وحروبها التي لا تنتهي ستتواصل، وبالتالي يتواصل مسلسل الهجرة غير القانونية. أما في بلدي ليبيا، لن تحدث معجزة فجأة وتتفق الأطراف على إجراء انتخابات نيابية ورئاسية تخرجنا من النفق المعتم الذي انزلقنا فيه منذ سنوات.

ربما لتلك الأسباب المُحزنة نستقبل العام الجديد بقلوب متعبة، لكنها في الوقت ذاته قلوب مؤمنة. هذا الإيمان ليس مبنياً على أوهام وأضغاث أحلام، بل على نظرة استشرافية للتاريخ الإنساني في مسيرته الطويلة. وهذا، على وجه التحديد، ما يجعلنا نرفع أشرعة مراكبنا على أمل أن تواتيها قريباً الرياح المشتهاة وتبحر بنا إلى مرافئنا المأمولة والموعودة.

لقد سخر المؤرخ هيرودوتوس من أجدادنا الليبيين الذين خرجوا لمحاربة «ريح القبلي»، وهو معذور في ذلك؛ لأنه، في رأيي، لم يدرك أن تلك المعركة لم تكن بحثاً عن نصر عسكري كما يبدو من الظاهر، بل كانت إعلاناً عن رفض الانكسار. واليوم، ونحن نواجه رياحاً عاتية لا تختلف عن «القبلي» من الأزمات والحروب، ندرك أن قدرنا هو هذا «العناد الصعيب».

نعم، سنمضي نحو العام الجديد مثقلين بالخيبات وبالخوف ولكن يسكننا الأمل. سنمضي لأن التوقف يعني الاستسلام والهزيمة، ولإيماننا بأن رحمة الله بمقدورها التدخل في أي لحظة لإنقاذنا من أي سقوط محتمل.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحو عام جديد نرفعُ الأشرعة نحو عام جديد نرفعُ الأشرعة



GMT 14:36 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

الفساد وصل إلى الجميد !

GMT 14:35 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

المدينة العمياء

GMT 14:34 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

«الزحلاوي» توم برّاك

GMT 14:33 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

من بونداي إلى تدمر... تحدي «داعش» العابر للحدود

GMT 14:32 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

استعادة لبنان بإنهاء هيمنة السلاح وإطلاق الإصلاح!

GMT 14:30 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

ها هو التاريخ أمامك يا جبران

GMT 14:26 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة

GMT 14:24 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

العثور على تفسير

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم

GMT 21:47 2025 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء
 لبنان اليوم - مسلحون يهاجمون مواقع الأمن العام بالهاون في السويداء
 لبنان اليوم - دراسة بريطانية تكشف علامات مبكرة للخرف عند الأشخاص فوق 55 عاما

GMT 14:02 2020 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:36 2020 الثلاثاء ,02 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 15:06 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يجعلك هذا اليوم أكثر قدرة على إتخاذ قرارات مادية مناسبة

GMT 03:58 2015 الأربعاء ,15 تموز / يوليو

مسقط وصلاله يصعدان للدوري العماني للمحترفين

GMT 21:36 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 11:51 2022 الأربعاء ,15 حزيران / يونيو

حلف شمال الأطلسي يُعلن دعم كييف بأسلحة بعيدة المدى

GMT 23:31 2021 الثلاثاء ,16 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 12:53 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الملكة رانيا وسيدات العائلة الهاشمية يجسّدن الرقيّ الهادئ

GMT 09:58 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

إليسا تتبرع بفستانين لها في مزاد خيري لصالح مصر
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon