عندما يطغَى الفُجور في الخصومة

عندما يطغَى الفُجور في الخصومة

عندما يطغَى الفُجور في الخصومة

 لبنان اليوم -

عندما يطغَى الفُجور في الخصومة

بقلم:جمعة بوكليب

مَعاجمُ اللغةِ العربيةِ تفسّر كلمةَ «خُصومة» علَى النَّحوِ التَّالي: «الخُصُومَة: النزاعُ، والخِصامُ، والجدالُ، والمُناقشة. هي مصدرُ للفعل خاصم، وهو يفيدُ المطاوعةَ، وتُشير إلى فعلِ التَّنازع والمجادلةِ حول مسألةٍ أو حقٍّ معيّن. غالباً ما ترتبط بالنّزاع القائمِ أو المُعلن، وقد تكون حولَ قضيةٍ محدَّدةٍ (مثل خصومةٍ قانونيةٍ أو أدبية). هي في الأساس فعلٌ أو حالةُ نزاعٍ علنيّ». في حالاتٍ كثيرة تنتقلُ الخصومةُ إلى مرحلة أخرى أشدّ حدّة يُطلق عليها «الفُجور». وتفسيرها معجمياً كالتَّالي: «الفجور في الخصومة أن يكذبَ الخَصمُ في دعواه أو حجته، أو ينسب للطرف الآخر ما لم يقله أو يفعله، أو يختلق عليه التّهم والسيئات، وكذلك البُهتان والافتراء؛ أي اتهام الخصم بصفات أو أفعال سيئة (مثل اتهامه في عرضه أو دينه أو أخلاقه) وهو بريء منها».

في أغلبِ الأحيان، يُفضي الفجورُ في الخصومة إلى العداوة، بتحويل الخَصم إلى عدوّ مبّرر قتله، هكذا بكلّ بساطة.

في السياسة خصوصاً، بسبب التَّنافس بين مختلف المصالحِ والتصارعات، كثيراً ما تخرج الخصومة عن سياقها السياسي، وتنحرف عمداً نحو منعطف الفجور، باللجوء إلى اختلاق الأكاذيب وإطلاق الإشاعات بغرض اغتيال الخَصم من خلال حرق مصداقيتِه اجتماعياً أو دينياً أو أخلاقياً؛ أي بتحويل الخَصم السياسي إلى عدوّ.

قصص الاغتيالات السياسية ليست جديدة، بل قديمة قدم التاريخ الإنساني. الاغتيالات السياسية أنواع؛ أكثرها يتم بإزاحة الخصم من الطريق بالقضاء عليه جسدياً. في أحيان أخرى يتم الاغتيال بطرق أخرى، لعلَّ أشهرها من خلال وسائل الإعلام، بفبركة إشاعاتٍ بغرض حرق شخصيته وإعدام مصداقيته وتشويه السمعة. وهو الأسوأ.

في الآونة الأخيرة في ليبيا، أعلنت إحدى وسائل الإعلام قرب بثّ مقابلة مع أحد الشخصيات البارزة أثناء انتفاضة فبراير (شباط) 2011. الإعلان ذكر أن هذه الشخصية أدلت خلال المقابلة بمعلومات جديدة تُبث للمرة الأولى، تتعرض لما حدث وراء الكواليس في تلك الفترة العصيبة من تاريخ البلاد، وتطال أفراداً وجماعات من ليبيا ودول عربية.

خلال الأيام الماضية، واستباقاً للمقابلة المذكورة، فوجئ الليبيون ببث شريط مسيء ضد هذه الشخصية في الإنترنت، أقام الدنيا ولم يقعدها، وأدى إلى خلق بلبلة في مختلف الأوساط. عديدون من المعلقين المحليين والمختصين في علم التقنية أكدوا أن الشريط مفبرك باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي. وأوضحوا أن التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي وتقنيات التزييف العميق (Deepfakes)، أضافت بُعداً جديداً وأكثر خطورة لعمليات الفجور السياسي. هذه الأدوات تسمح لـ«الخصم الفاجر» ليس فقط باختلاق الكذب، بل بتجسيده بصرياً وسمعياً، محوّلاً التلفيق الشفوي إلى «دليل مادي» مُفبرك يصعب على الجمهور العادي تمييزه، مما يُعظّم من فاعلية الاغتيال المعنوي لدرجة لا تُبقي للخصم أي حيز للدفاع.

الضربة الاستباقية تلك، ليست مجهولة الأصل تماماً، ومن يقفون وراءها في الأغلب هم المعنيون بما ستكشفه هذه الشخصية من معلومات تدينهم، وعلى الأرجح تؤدي إلى تعريتهم سياسياً. المشكلة أن الجهات التي قد تكون معنية بهذا الكشف – وبالتالي المشتبه في وقوفها وراء الشريط – كثر، أغلبهم كانوا يتزاحمون على خشبة المسرح الليبي أثناء الأحداث، ويتدافعون بالمناكب من أجل الظهور في وسائل الإعلام بجانب اهذه الشخصية.

تزامن ظهور الشريط قبل بث المقابلة يزيد في تأكيد الاعتقاد بالعلاقة بين الحدثين كضربة استباقية مُحكمة. وفي بلد محافظ مثل ليبيا، فإن استخدام هذه التقنيات المتقدمة في خصومة سياسية يقود إلى نهايات لا تُحمد عقباها يدركها جيداً من فبركوا الشريط، ويرقى إلى فعل ارتكاب جريمة جنائية مع سبق الإصرار والترصّد، الأمر الذي يمثل ذروة الفجور في الخصومة، وشهادة على أن النزاع أصبح معركة وجودية غايتها إسقاط الخصم، ولتلك الغاية فإن كل الوسائل مبررة.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يطغَى الفُجور في الخصومة عندما يطغَى الفُجور في الخصومة



GMT 22:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

سنوات الهباء

GMT 21:09 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

حضرموت ومنطق الدولة

GMT 20:52 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

عن هجاء «النظام الطائفي» في لبنان

GMT 20:51 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

الغرب يعالج مشاكله... على حساب الآخرين!

GMT 20:50 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

المشهد البريطاني تحت قبضة «الإصلاح»

GMT 20:49 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

أفكار حول التطوّر التقني وحيرة الإنسان

GMT 20:48 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

بدور نسجت تاريخها

GMT 20:45 2025 الأحد ,14 كانون الأول / ديسمبر

على وزن المطار السري

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

القاهرة ـ لبنان اليوم
 لبنان اليوم - الجزر وفيتامين A عنصران أساسيان لصحة العين وتحسين الرؤية

GMT 13:42 2020 الإثنين ,29 حزيران / يونيو

يحذرك هذا اليوم من المخاطرة والمجازفة

GMT 10:45 2020 السبت ,29 شباط / فبراير

التصرف بطريقة عشوائية لن يكون سهلاً

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:53 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف من جيني بايكهام لخريف 2021

GMT 16:44 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

تسريب صور مخلة للآداب للممثلة السورية لونا الحسن

GMT 21:23 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جبران باسيل يلتقي وكيل وزارة الخارجية الأميركية

GMT 16:36 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

النجمة يستعير لاعب الترجي التونسي شاونا

GMT 12:17 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

بوتين والسيسي يترأسان أول قمة روسية إفريقية

GMT 11:37 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 21
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
Pearl Bldg.4th floor, 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh, Beirut- Lebanon.
lebanon, lebanon, lebanon